إسرائيل وحماس: حرب بلا نهاية ونتنياهو أمام مفترق طرق بين التصعيد والتفاوض

طرح المحلل الإسرائيلي، عاموس هارئيل، في تقرير له، تحت عنوان «الحرب الأبدية في غزة» سؤالًا في غاية الأهمية، ألا وهو، هل هناك دافعًا حقيقيًا للقادة – في إسرائيل وواشنطن، لإنهاء الحرب في غزة؟ وهل يمكن تحقيق أهداف الساحر الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والانتهاء من تلك الفوضى؟
تعتمد تلك الإجابة في الواقع، على فهم أكبر للموقف الإسرائيلي، وبنك أهدافه من تلك الحرب، والدوافع الحقيقية للجالسين هناك في البيت الأبيض، وهو ما طرحه "هرئيل" بالتفصيل في تقريره.
معضلة «الحرب الأبدية في غزة»
بعد أقل من شهرين من التزامه بوقف إطلاق النار المؤقت مع حماس، قرر نتنياهو، استئناف الحرب في 18 من مارس الماضي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 400 فلسطيني، بينهم أكثر من 300 امرأة وطفل، وفقًا لوزارة الصحة في غزة التي تسيطر عليها حماس - وهي حصيلة كارثية حتى بمعايير الحرب السابقة. وذلك بعدما سمحت الهدنة قصيرة الأمد بالإفراج عن 30 رهينة احتجزتهم حماس خلال هجومها المفاجئ على إسرائيل في 7 أكتوبر2023، بالإضافة إلى إعادة ثمانية أسرى متوفين إلى أوطانهم. وفي الأسبوع الماضي، اقترحت الحكومة الإسرائيلية استئناف وقف إطلاق النار مقابل إعادة 11 رهينة إضافيًا و16 جثة أخرى.
وفقًا للمحلل السياسي لصحيفة هآرتس العبرية، حتى لو توصلت حماس وإسرائيل إلى اتفاق جديد قصير الأجل لوقف الأعمال العدائية، فمن غير المرجح أن تشهد غزة سلامًا حقيقيًا في أي وقت قريب. فمنذ أحداث 7 أكتوبر، سعى نتنياهو لتحقيق هدفين من خلال عملياته العسكرية في القطاع: تحرير جميع الرهائن والقضاء على حماس. لكن هذين الهدفين لا يمكن تحقيقهما في آن واحد: فحماس ترفض قبول عملية سلام تتضمن القضاء عليها، وطالما التزمت إسرائيل بهذه النتيجة، فإن قادة حماس الباقين على قيد الحياة لديهم حافز قوي للاحتفاظ بالرهائن لردع الهجمات الإسرائيلية التي قد تقتلهم. وهذا يعني أنه حتى لو استؤنف وقف إطلاق النار، فمن المرجح أن تؤجل حماس إطلاق سراح آخر رهينة، ومن المرجح أن تجد إسرائيل سبلًا لتجنب المضي قدمًا في مراحل تسمح لحماس بالاحتفاظ بالسلطة، وقد ينهار أي اتفاق مرة أخرى في مراحله النهائية.

يعتقد نتنياهو أن الحل العسكري يؤتي ثماره. بعدما أدى استعراض القوة إلى إضعاف إيران وعرقلة ميليشيا حزب الله، وكيلها اللبناني. وبينما حاول فريق الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، احتواء التصعيد الإسرائيلي، يحظى نتنياهو بحليف أكثر تساهلاً، وهو الرئيس دونالد ترامب. وفي دلالة على التقارب بين الزعيمين، وأهمية نتنياهو في الحفاظ على تأييد ترامب، سارع نتنياهو إلى واشنطن للقاء ترامب للمرة الثانية خلال ثلاثة أشهر. وشعورًا منه بالجرأة، اقترح الجيش الإسرائيلي أيضاً خطةً واسعة النطاق لإعادة احتلال غزة، بينما يطرح شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف، بجرأة أكبر، اقتراحًا لطرد معظم سكان غزة.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو مستعدًا لتنفيذ أكبر أحلام شركائه السياسيين. إذ عليه أن يأخذ في الاعتبار موقف ترامب، على الرغم من تقلباته، وقدرات الجيش الإسرائيلي فيما يخض البدء في عملية مكلفة وطويلة الأمد في غزة. في الوقت الحالي، ربما لا يمتلك نتنياهو سوى خيار استمرار العمليات العسكرية في غزة.
لعبة الثقة واستحالة الأهداف الإسرائيلية
عند استئناف القتال في غزة في مارس الماضي، كان هناك شبه إجماع بين الإسرائيليين على ضرورة القضاء على حماس. لكن سرعان ما اتضح أن هدفي إسرائيل العسكريين - تأمين إطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس - لا يمكن تحقيقهما معًا. حتى وإن افترضنا إمكانية القضاء على حماس- التي تحظى بتأييد شعبي كبير في غزة، فإن الأمر سيستغرق سنوات. وفي المقابل، لا يملك الرهائن الإسرائيليين هذا القدر من الوقت. فوفقًا لتحليل أجرته صحيفة نيويورك تايمز، بين أكتوبر2023 وأوائل مارس 2025، تُوفيت 41 رهينة في الأسر، أغلبهم لقوا حتفهم نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية. ويرى هارئيل، أن إسرائيل التي لا تُعط أولوية واضحة لهدف واحد على الآخر، لن تحقق أيًا منهما حتى الآن.
وبافتراض أن إسرائيل يمكنها تحقيق الهدف الأول على الأقل، وهو القضاء على حماس، يمكننا القول بأنه منذ بداية الحرب، قتلت إسرائيل معظم كبار القادة، بمن فيهم زعيم الجماعة في غزة، يحيى السنوار. لكن المنظمة لا تزال لديها هيكل حوكمة، ولإحباط المحاولات الإسرائيلية لاغتيالهم، يسعى قادتها المتبقون إلى الحفاظ على درع بشري - في شكل عدد صغير من الرهائن، معظمهم من الجنود. ومع استمرار نتنياهو في طريق تحقيق الهدفين معًا من المرجح أن يلوم حماس على مقتل رهائن إضافيين.

الإدارة الأمريكية والخيارات الخيالية
وفي الوقت الذي يتصرف نتنياهو وكأنه الوحيد الذي يملك جميع المفاتيح في قبضته، تضاءل أي أمل في أن تدفع الولايات المتحدة إسرائيل للالتزام بوقف إطلاق نار دائم، ورغم أن ترامب ضغط على نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار في يناير، إلا أن نهج إدارته أصبح أكثر غموضًا منذ ذلك الحين. فكل بضعة أيام، يقدم الفريق الأمريكي مقترحات جديدة، لكن المناقشات لا تزال متعثرة؛ إذ يتأرجح ترامب الآن بين اللامبالاة بالصراع وأفكار خيالية، مثل اقتراحه في فبراير بأن تسيطر الولايات المتحدة على غزة وتحولها إلى "ريفييرا الشرق" على حد تعبيره.
وفي غضون ذلك، لم تواجه إدارة ترامب التناقض الجوهري الذي يُؤخر محادثات السلام الجادة، ولم تسعَ إلى حله وهو أن نتنياهو يصر على أن أي عملية لوقف إطلاق النار يجب أن تنتهي بتفكيك حماس. لكن هذا خط أحمر لا ترغب حماس في تجاوزه، على الرغم من التقارير التي تفيد بأنها قد تفكر في التنازل عن سلطتها السياسية مع الحفاظ على قوتها العسكرية، وهو نوع من التسوية التي تُختبر في لبنان بموافقة حزب الله.
كما أن وصول ترامب، نزع التوازن العسكري بالمنطقة؛ فبالرغم من وقوف إدارة بايدن إلى جانب إسرائيل بعد 7 أكتوبر ومساعدتها في منع المزيد من التصعيد الإقليمي، إلا أنها سعت أيضًا إلى احتواء العمليات العسكرية الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، بعد غزو الجيش الإسرائيلي لمدينة رفح جنوب غزة في مايو الماضي، أجل بايدن، إرسال ذخائر دقيقة ثقيلة وجرافات إلى إسرائيل. ولكن الآن يدعم ترامب جميع تصرفات إسرائيل. وعندما زار نتنياهو واشنطن في فبراير، تساءل الرئيس الأمريكي جهرًا عن سبب عدم استغلال إسرائيل للإطاحة بالأسد للمطالبة بمزيد من الأراضي السورية.

تعافي الجيش الإسرائيلي
وبالطبع، هناك تطورات أخرى قللت من السعي للتوصل إلى تسوية. حتى الآن، تفيد التقارير بتعافي الجيش الإسرائيلي جزئيًا من صدمة السابع من أكتوبر. علاوة على تراجع قدرة حماس على تنظيم هجوم واسع النطاق آخر أو إطلاق وابل من الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية. وهذا ما يخص الوضع على الأرض داخل الأراضي المحتلة. بالإضافة إلى ذلك، تشعر إسرائيل الآن بالتفوق. ففي نوفمبر الماضي، اضطر حزب الله إلى الموافقة على وقف إطلاق نار مهين، ورغم ذلك لا تزال إسرائيل تخترق الاتفاق دون رد من المنظمة المنهكة.
وفي أعقاب انهيار نظام بشار الأسد في ديسمبر، سيطرت إسرائيل على أجزاء من جنوب سوريا. وعلى خلفية هذه الانتصارات، يبدو نتنياهو أكثر جرأة، إذ يرد بالقوة العسكرية على استفزازات العدو التي كان يفضل سابقًا احتواؤها أو تجاهلها.
وعلى غرار الشعور بهذا التفوق، قدم الجيش خطة طموحة للحكومة لإعادة نشر عدة فرق في غزة، وإجراء تعبئة جديدة للاحتياط، وإجلاء سكان شمال غزة إلى منطقة ملاجئ في الجنوب، وإكمال الاحتلال العسكري للقطاع بأكمله - كل ذلك في غضون بضعة أشهر. وبينما كان رئيس الأركان السابق، هرتس هاليفي، قد عارض بشدة تشكيل أي حكومة عسكرية إسرائيلية في غزة. لكنه استقال، وقد أشار خليفته، إيال زامير - إلى أنه منفتح على حكم القطاع. وفي الوقت الذي توقفت فيه إدارة ترامب عن الحديث عن خطة لتطهير غزة من سكانها، إلا أن السياسيين الإسرائيليين اليمينيين تبنوا القضية. عمليًا، سيتطلب أي مشروع "هجرة طوعية" من هذا القبيل استخدام قوة عسكرية كبيرة لإقناع السكان بالمغادرة.
ولكن الحكومة الإسرائيلية لا تعي أنه رغم الضربات التي تلقتها، لا تزال حماس بعيدة كل البعد عن الهزيمة. يقود اثنان من القادة العسكريين الناجين، عز الدين الحداد ومحمد السنوار (شقيق يحيى السنوار)، جهودها للتعافي. كما سمح وقف إطلاق النار الذي استمر عدة أسابيع وبدأ في يناير، لحماس بتجديد مواردها المالية. ووفقًا للتقديرات الإسرائيلي، جندت حماس في الأشهر الأخيرة حوالي 20 ألف مقاتل جديد. ولا يمكن إغفال حقيقة أن إعادة احتلال غزة سؤدي إلى خسائر عسكرية إضافية، وربما إلى مقتل المزيد من الرهائن.

المخاطر السياسية لمشروع التهجير الطوعي من القطاع
أشار هرئيل، أيضًا إلى تنفيذ الخطة العسكرية لاحتلال غزة أو مشروع "الهجرة الطوعية" ينطوي على مخاطر سياسية جسيمة. فقد خدم عشرات الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين مئات الأيام لكل منهم خلال الحرب، مما ألحق خسائر فادحة بوظائفهم وعائلاتهم. في الواقع، لم يسبق لإسرائيل أن واجهت هذا القدر من التناقض بشأن الخدمة العسكرية من جانب جنود الاحتياط، حتى خلال حربها المثيرة للجدل سياسيًا عام 1982 في لبنان، أو خلال الانتفاضة الثانية التي استمرت حوالي ست سنوات. والآن، يهدد البعض برفض الاستدعاء للخدمة العسكرية خشية أن تؤدي حملة عسكرية جديدة شاملة إلى مقتل المزيد من الرهائن. ووفقًا للعديد من قادة الجيش الإسرائيلي الذين تحدثت إليهم، فإن الكثيرين يفكرون في التهرب من الخدمة للبقاء مع عائلاتهم. ويعود غضب بعض جنود الاحتياط إلى سلوك الحكومة خارج غزة، مثل جهودها للحفاظ على إعفاء اليهود المتشددين من الخدمة العسكرية الإلزامية. لكن في المقام الأول، فإن جنود الاحتياط الإسرائيليين منهكون ومتعبون. لذا، يجب على نتنياهو الاستمرار في القيام بعملية توازن دقيقة، خاصة وأن نتنياهو، نفسه لا يبدو حازمًا كحلفائه من اليمين المتطرف بشأن إعادة احتلال غزة بالكامل وإعادة توطين الإسرائيليين هناك.
على ما يبدو، يحتاج نتنياهو، إلى إعادة النظر في التعامل مع غريزة ترامب، للسعي وراء المجد في حال أراد الحفاظ على ائتلافه الحكومي. والأخذ في الاعتبار أنه ربما لا يزال الرئيس الأمريكي يسعى إلى تحقيق خطته الكبرى الخاصة: صفقة أمريكية سعودية ضخمة تتضمن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى إنهاء الحرب في غزة. خاصة وأن نتنياهو يواجه الآن فضيحة جديدة بعد اعتقال اثنين من مستشاريه الإعلاميين واستجوابهما بشأن أموال ربما تلقوها بشكل غير مشروع من الحكومة القطرية. ومع ذلك، فالجميع على يقين بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتمتع بالصمود، وينوي الاحتفاظ بمنصبه بأي وسيلة ممكنة ومهما كانت التكلفة سواء الرهائن، أوالفلسطينيين، أوإسرائيل نفسها.