عاجل

معنى قوله تعالى:«وَلَا تَجَسَّسُوا» .. تحذير قرآني من انتهاك الخصوصيات

دار الإفتاء
دار الإفتاء

في فتوى رسمية صدرت عن دار الإفتاء المصرية، قدَّم الدكتور شوقي إبراهيم علام -مفتي الجمهورية السابق- توضيحًا شاملًا للمعنى المقصود من قول الله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12]، مؤكدًا أن هذه الآية تمثل دعوة إلهية صريحة لصيانة كرامة الإنسان، والحفاظ على أمن المجتمع من التشتت والفتنة.

التجسس تتبع لعورات الناس ويهدد تماسك المجتمع

وقد جاءت هذه الآية الكريمة ضمن آيات سورة الحجرات، التي تُعد من السور المدنية التي أرست قواعد الأدب والتعامل الراقي بين أفراد الأمة الإسلامية، إذ جاءت بتوجيهات سامية لضبط السلوك الاجتماعي، ومنها النهي عن التجسس الذي يُعد منبوذًا شرعًا وأخلاقًا.

ما هو التجسس المحرَّم شرعًا؟

أوضح المفتي السابق أن التجسس هو البحث والتتبع لما يخفيه الناس من أمور خاصة، سواء كانت عيوبًا سلوكية أو خَلقية، صوابًا كانت أو خطأ، ويُعد هذا الفعل محرمًا إذا تم بدافع الفضول أو بهدف الإيذاء أو التشهير، خاصة إذا كان بحق شخص لم تُثبت عليه جريمة.

وأضاف أن الأصل في المسلم هو البراءة، ولا يجوز التعدي على خصوصيته أو التلصص عليه بغير وجه حق، مشيرًا إلى أن هذا الفعل يفتح باب الفتنة ويمزق نسيج المجتمع، ويخلق بيئة يسودها الشك والخوف.

واستشهد بما قاله الإمام شمس الدين الخطيب الشربيني الشافعي في تفسيره "السراج المنير"، موضحًا أن الأصل في الكلمة "تتجسسوا"، وقد حُذفت إحدى التاءين، وجاء معناها:

"لا تتبعوا عورات المسلمين ومعائبهم بالبحث عنها".

تحذير نبوي صريح من التجسس

ولم يكتفِ القرآن بالنهي، بل جاءت السنة النبوية لتؤكد هذا المعنى، إذ ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
«لا تجسَّسوا، ولا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا» (رواه مسلم).

كما جاء في حديث آخر توجيه شديد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تُؤذوا المسلمين، ولا تُعيّروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإن من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف رحله».

وهذه الأحاديث تؤكد أن من يفتش في خصوصيات الآخرين ويترصد لهم، يعرض نفسه للفضيحة أمام الناس، عقابًا من الله عز وجل.

حرمة المسلم عند الله.. أعظم من حرمة الكعبة

من أبلغ ما ورد في الفتوى، ما نقله الدكتور شوقي علام عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، حين قال وهو ينظر إلى الكعبة:
"ما أعظمك وأعظم حرمتك، والمؤمن أعظم حرمةً عند الله منك" (رواه الترمذي).
في إشارة واضحة إلى أن حرمة الإنسان المسلم محفوظة ومقدسة، ويُعد انتهاكها بالتجسس تعديًا جسيمًا على ما عظّمه الله.

التجسس.. بداية انهيار العلاقات الإنسانية

من الأخطار التي يحذر منها علماء الشريعة أن التجسس لا يقتصر ضرره على الفرد المستهدف فقط، بل يمتد ليؤثر على المجتمع بأكمله، حيث يؤدي إلى:

  • نشر الكراهية والعداوة.
  • انعدام الثقة بين الناس.
  • فقدان الشعور بالأمان داخل الأسرة والمجتمع.
  • تفكك الروابط الاجتماعية وتهديد الاستقرار العام.

خلاصة الفتوى: الأصل هو الستر لا الفضح

اختتم الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام فتواه بالتأكيد على أن الأصل في التعامل بين المسلمين هو التراحم والستر لا الفضيحة، وأن تتبع عيوب الآخرين يُعد من الأفعال المحرمة شرعًا والمؤذية نفسيًا واجتماعيًا.

وقال: "على المسلم أن يشتغل بإصلاح نفسه، وأن يحترم خصوصيات غيره، فكلٌّ محاسب على نفسه، وما أُمرنا به هو النصيحة لا التلصص، والستر لا التشهير".

تم نسخ الرابط