عيد الحب 4 نوفمبر: هل الاحتفال به يحمل مخالفة شرعية؟.. ضوابط لا تغفلها
يحتفل اليوم بـ عيد الحب 4 نوفمبر، فهل الاحتفال به يحمل مخالفة شرعية؟، وما هي ضوابط الاحتفال بيوم الحب من الناحية الشرعية، هذا ما سنوضحه من خلال الرأي الشرعي لدار الإفتاء.
هل الحب حرام في كل الأحوال؟
في البداية فالحب معنًى نبيلٌ جاء به الإسلام ودعا إليه - حسبما قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر والمفتي الأسبق، ومن سمات المسلم أنه محبٌّ لكل خلق الله، يرى الجمال أينما كان، ويعمل على نشر الحب حيثما حلَّ، إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا المعنى السامي الرفيع وبين ما قد يجري بين الجنسين من علاقة محرمة بدعوى الحب؛ فقد جعل اللهُ الزواجَ هو باب الحلال في العلاقة والحب بين الجنسين.
الحب في القرآن والسنة
جاء الحب في القرآن والسنة، حيث قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ﴾ [البقرة: 165]، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [المائدة: 54].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلا ظِلِّي»، وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواهما مسلم، وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ» رواه الترمذي
كما أن المسلم محب لكل خلق الله تعالى، يرى الجمال أينما كان، ويعمل على نشر الحب حيثما حلَّ، فهو رحمة للناس يحسن إليهم ويرفق بهم ويتمنى الخير لهم، متأسِّيًا في ذلك بالنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي وصفه ربه سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وَعَظَّمَهُ بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم: 4].
فليس الحب حرامًا في أي حال من الأحوال، إلا أنه لا يجوز الخلط بين هذا المعنى السامي الرفيع وبين ما يجري بين الجنسين من العلاقة المحرمة والانقياد لداعي الشهوة واللهاث وراء لذة الجسد في الحرام بدعوى الحب؛ فإن في ذلك ظلمًا لهذا المعنى الشريف الذي قامت عليه السماوات والأرض: ﴿فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [فصلت: 11].
وقد جعل الله تعالى الزواج هو باب الحلال في العلاقة والحب بين الجنسين، فمن ابتُلي بشيء من ذلك فليكتمه إن لم يستطع الزواج بمن يحب؛ لما ورد في الحديث: «مَنْ عَشِقَ فَعَفَّ فَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» أخرجه الخطيب البغدادي وغيره وقوَّاه الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري في رسالة مفردة أسماها "درء الضعف عن حديث من عشق فعف".
التصرفات هي التي تحدد الحلال والحرام في الحب
كما شدد الدكتور محمود شلبي أمين الفتوى بدار الإفتاء أن الحب هو حالة شعورية لا يملكها الإنسان، ولا يُحاسب عليها شرعًا، مستشهداً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "اللهم إن هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، في إشارة إلى أن الميل القلبي هو أمر خارج عن إرادة الإنسان، وبالتالي لا يكون محل تكليف شرعي، فلا يقال عنه حلال أو حرام.
وأضاف أن ما يُحاسب عليه الإنسان هو ما يترتب على هذا الحب من أقوال وأفعال، فالتصرفات هي التي تحدد الحلال والحرام، مشيرًا إلى أن التواصل بين الشاب والفتاة دون ارتباط رسمي مثل الخطوبة أو الزواج لا يصح شرعًا، مؤكدًا أن نموذج النبي صلى الله عليه وسلم في العلاقة مع زوجاته كان دائماً ضمن إطار الزواج الشرعي.
وأكد أمين الفتوى أن الإنسان يُحاسب على أقواله وأفعاله وليس على ما يدور في قلبه، مستشهداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به".
وختم بدعوة إلى الاستعاذة بالله من الوساوس والخيالات السلبية، محذراً من الاستسلام لها لأنها قد تدفع الإنسان إلى أفعال أو أقوال تُحاسب عليها.
هل يجوز الاحتفال بعيد الحب؟
من جانبه، أجاب الشيخ أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الحب في أصله شعور إنساني نبيل لا تُحرّمه الشريعة، بل جاءت النصوص الشرعية داعيةً إليه ومؤكدةً على مكانته في الإيمان، مستشهدًا بقول النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه».
وبيّن الشيخ وسام أن الشريعة لا تنهى عن المشاعر الطيبة، وإنما تنهى عما يُرتكب تحت ستارها من أفعال أو أقوال محرّمة، مؤكدًا أن الحب المقبول هو ما يدفع الإنسان إلى الخير ويُترجم في إطار الحلال المشروع.
ما حكم وصف يوم 4 نوفمبر بـ عيد الحب؟
وأشار إلى أن لفظ "العيد" قد يُستخدم بالمعنى اللغوي للدلالة على يوم يتكرر كل عام، وليس بالضرورة أن يكون عيدًا شرعيًا كعيدي الفطر والأضحى، موضحًا أن النبي ﷺ أقرّ هذا المعنى حين قال لأبي بكر رضي الله عنه: «دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا».
وأكد أمين الفتوى، على أن الاحتفال بيوم الحب لا حرج فيه إذا كان في حدود الآداب الشرعية، ولم يتضمن ما يُخالف أوامر الله أو يخرج عن الأخلاق الإسلامية، قائلًا: «الحب في ذاته قيمة جميلة، لكن الأهم أن يبقى في إطار ما أحلّه الله».



