لوموند الفرنسية: أخيراً تمثال رمسيس الثاني يعود إلى موطنه
ذكرت صحيفة لوموند الفرنسية من على هضبة الجيزة، حيث تمتد أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع في الأفق الذهبي، يقف المتحف المصري الكبير شامخًا كمنارة جديدة للتاريخ المصري.
وأكدت الصحيفة الفرنسية أنه بعد سلسلة من التأجيلات والمراحل الإنشائية المعقدة، تم افتتاح المبنى أخيراً في الأول من نوفمبر 2025، ليصبح أكبر متحف في العالم مخصصًا لحضارة واحدة التي لا تزال تبهر العالم حتى اليوم.
وفي قلب هذا الصرح المهيب، وجد تمثال رمسيس الثاني أخيرًا موطنه الجديد، يقف بارتفاع 11 مترًا ووزن 83 طنًا عند مدخل المتحف، تحت سقف زجاجي شاهق يبلغ ارتفاعه 38 مترًا، تنساب منه إضاءة خافتة تعكس فخامة المشهد وتُثير الدهشة في نفوس الزوار.

لوموند الفرنسية: الزوار يذهلون من ضخامة تمثال رمسيس الثاني
يتوقف القادمون مذهولين أمام التمثال الجرانيتـي الضخم، يتساءلون إن كان هذا الجسد الحجري المهيب نسخةً حديثة أم الأصل ذاته الذي حكم مصر قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
وفي خضم التأمل، يقترب بعضهم أكثر مما ينبغي من البركة الضحلة عند قاعدة التمثال، فيسقطون فيها أحيانًا – لحسن الحظ من دون أذى مما استدعى تخصيص حارس دائمٍ لحماية الزوار من حماسهم المفرط أمام عظمة المشهد.
رحلة اكتشاف تمثال رمسيس
يحمل تمثال رمسيس الثاني في ذاته قصة مصر الحديثة بقدر ما يرمز إلى ماضيها الفرعوني، فقد تم اكتشفا التمثال عام 1820 في منطقة ميت رهينة جنوبي القاهرة، موقع العاصمة القديمة ممفيس.
وفي عام 1955 قرر الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أن ينصب التمثال في قلب القاهرة الحديثة، أمام محطة السكك الحديدية، كهدية رمزية لشعبه وللدولة الجديدة التي كانت تشق طريقها نحو الاستقلال والهوية.

لكن في عام 2002، ومع انطلاق فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير، طُرحت مبادرة جريئة: نقل التمثال مرة أخرى إلى موطنه المستقبلي على هضبة الجيزة، ليكون بوابة المتحف ووجهته الأبدية.
ولادة مشروع ثقافي فريد
وتعود فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير إلى تسعينيات القرن الماضي، حين بدأت القاهرة تبحث عن مساحة تليق بعرض كنوزها الأثرية المتناثرة في المتاحف والمخازن، حيث وتم وضع حجر الأساس عام 2002، قبل أن تبدأ أعمال البناء الفعلية في مايو 2005.
وفي عام 2006، تم إنشاء أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط، وافتُتح رسميًا عام 2010 ليصبح القلب العلمي للمتحف الجديد، غير أن المشروع واجه توقفًا قسريا عام 2011، بسبب خضم الاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر، قبل أن يستأنف لاحقًا بدعم حكومي واسع، ليعود إلى الحياة كمشروع وطني جامع يرمز إلى الاستقرار والهوية الثقافية المصرية.
متحف بحجم مدينة
اليوم يمتد المتحف على مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربع، ما يجعله من أضخم المؤسسات الثقافية في العالم.
وخلال عام 2021، اكتملت قاعات العرض الرئيسية، وأُنشئ متحف الطفل، إلى جانب مجموعة من المباني الخدمية المتقدمة.
كما تم تطوير أنظمة التذاكر والمراقبة والتأمين، وإنشاء قاعات مؤتمرات ومناطق ترفيهية ومطاعم وبازارات، لتوفير تجربة ثقافية وسياحية متكاملة.
وفي 16 أكتوبر 2024، بدأ التشغيل التجريبي للمتحف، لتُختتم هذه الرحلة الطويلة بالافتتاح الرسمي المنتظر يوم السبت 1 نوفمبر 2025.
تمثال رمسيس يعود إلى أحضان التاريخ
ليس المتحف المصري الكبير مجرد مبنى أو معروضات أثرية؛ إنه مشروع حضاري يعيد صياغة العلاقة بين مصر وتاريخها، قفمنذ أن تم إنقاذ تمثال رمسيس الثاني من شوارع العاصمة ليعاد إلى أحضان التاريخ، أصبح رمزا لرحلةٍ أطول تخوضها البلاد بين تراثها العريق وتطلعاتها المستقبلية.
وعلى هضبة الجيزة، حيث يلتقي الضوء بالحجر والذاكرة، تبدو مصر كأنها تعيد تقديم نفسها للعالم: دولةٌ تستحضر ماضيها المجيد لتكتب فصلاً جديدًا من حضورها الثقافي والإنساني.



