ألا فزوروها| المتحف المصري الكبير من الضرورات الشرعية.. الإفتاء تحسم الجدل
سويعات قليلة ويسدل الستار عن المتحف المصري الكبير، تلك العظمة التي يواصل من خلالها المصريين كتابة التاريخ، ومع ترقب الملايين حول العالم للافتتاح المهيب لا تخلو الساحة من المتشددين الذين يزعمون بأن المتاحف قد تتسبب في فتنة القلوب وتثير إعجابهم بالكفار -على حد زعمهم، ووصل الحد إلى نشر تحصين من القرآن تزامنًا مع الافتتاح ولكن ما موقف الإسلام من إقامة تماثيل لشتى الأغراض؟
حكم إقامة المتاحف.. الإفتاء تدافع عن المتحف المصري الكبير بتأصيل شرعي
تقول دار الإفتاء في فتوى رسمية لها: لما كانت الأمم الموغلة في القدم كالمصريين القدماء والفرس والرومان وغير أولئك وهؤلاء ممن ملؤوا جنبات الأرض صناعةً وعمرانًا قد لجؤوا إلى تسجيل تاريخهم اجتماعيًّا وسياسيًّا وحربيًّا نقوشًا ورسومًا ونحتًا على الحجارة، وكانت دراسة تاريخ أولئك السابقين والتعرف على ما وصلوا إليه من علومٍ وفنونٍ أمرًا يدفع الإنسانية إلى المزيد من التقدم العلمي والحضاري النافع، وكان القرآن الكريم في كثيرٍ من آياته قد لفت نظر الناس إلى السير في الأرض ودراسة آثار الأمم السابقة والاعتبار والانتفاع بتلك الآثار، وكانت الدراسة الجادة لهذا التاريخ لا تكتمل إلا بالاحتفاظ بآثارهم وجمعها واستقرائها؛ إذ منها تُعرَف لغتُهُم وعاداتُهُم ومعارِفُهُم في الطب والحرب والزراعة، لَمَّا كان ذلك كان حتمًا الحفاظ على الآثار والاحتفاظ بها سجلًّا وتاريخًا دراسيًّا؛ لأن دراسة التاريخ والاعتبار بالسابقين وحوادثهم للأخذ منها بما يوافق قواعد الإسلام والابتعاد عما ينهى عنه يعتبر من مأموريات الإسلام؛ لهذا كان الاحتفاظ بالآثار سواء كانت تماثيل أو رسومًا أو نقوشًا في متحف الدراسات التاريخية ضرورةً من الضروريات الدراسية والتعليمية لا يُحَرِّمها الإسلام؛ لأنها لا تنافيه، بل إنها قد تخدم غرضًا علميًّا وعقائديًّا إيمانيًّا حث عليه القرآن؛ فكان ذلك جائزًا.
إنجازٌ ملهمٌ شاهدٌ على عبقرية الإنسان المصري عبر العصور
كما قال مركز الأزهر العالمي للفتوى تزامنا مع افتتاح المتحف المصري الكبير، غدا السبت إن مصر تَصون ماضيها، وتَبني حاضرها، وتُلهم العالم بِرؤَى المُستقبل.
وأوضح الأزهر للفتوى أن المتحف المصري الكبير إنجازٌ ملهمٌ شاهدٌ على عبقرية الإنسان المصري عبر العصور، ودعوةٌ للحفاظ على التُّراث الحضاري بوصفه أمانة حقها الصيانة والإحسان.
ونظرة الإسلام إلى الآثار والحضارات السّابقة نظرة اعتبار وتأمل، يدعو من خلالها إلى التَّفكر في سنن الله وأحوال الأمم، قال سبحانه: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّه يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. [العنكبوت: 20]
ما يجب على المصريين تجاه المتحف المصري الكبير؟
وأكد: واجب الأجيال من أبناء مصر أن يحافظوا على هذا الإرث الحضاري، وأن يضيفوا إليه بإبداعهم وأخلاقهم وعِلمهم، ما يُعبّر عن الوفاء للماضي، والمسؤولية تجاه الحاضر والمستقبل.
ولفت إلى أن هذا المتحف ليس مجرد صرح أثري، بل هو منصة انطلاق نحو آفاق التطوير والإبداع، ومصدر لإلهام الأجيال يبعث الثقة في قدراتهم، والأمل في صنع مستقبل يُضاهي روعة الحضارة التي أنشأها الأجداد، بأعلى معايير الإتقان وفنون العمران؛ انطلاقًا من المسؤولية الدّينية والوطنية، وتحقيقًا للأمر الرّباني بإعمار الأرض في قول المَولى سبحانه: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}. [هود: 61]
واختتم الأزهر للفتوى أن افتتاح هذا الصّرح الحضاري الكبير رسالة إلى العالم كلّه أن العمارة المادية أساسها العمارة الرُّوحيّة والأخلاقيّة وبناء الإنسان، وأن مصر تواصل مسيرتها الرائدة في خدمة الإنسانية وحماية تُراثها الخَالد.





