من الأهرامات إلى شرم الشيخ".. مصر توظف تاريخها لصناعة مستقبلها
 
                            في مشهد يعكس عودة مصر إلى واجهة المشهد العالمي، تستعد القاهرة لاحتضان حدث تاريخي ينتظره العالم بأسره، يتمثل في الافتتاح المرتقب للمتحف المصري الكبير، أكبر متاحف الآثار في العالم وأبرزها. يأتي هذا الإنجاز الحضاري بينما لا تزال أصداء مؤتمر السلام في شرم الشيخ تتصدر المشهد الدولي، بعد أن نجح في جمع أبرز القادة وصناع القرار لمناقشة قضايا الأمن والسلام وتعزيز التعاون بين الأمم. 
ويمثل المتحف المصري الكبير اليوم أكثر من مجرد صرح أثري ضخم أو تحفة معمارية فريدة؛ فهو مرآة تعكس روح مصر الخالدة، وشاهد على عظمة تاريخها الممتد عبر العصور. إنه مشروع يجمع بين الماضي والمستقبل، بين عبقرية الحضارة القديمة ورؤية الدولة الحديثة، ليؤكد أن مصر لا تزال منارة تلهم العالم بحضارتها، كما تلهمه بسياساتها المتزنة ومبادراتها الدبلوماسية الساعية إلى بناء عالم أكثر استقرارًا وسلامًا.
من جانبه، قال الدكتور حجاجي إبراهيم، رئيس قسم الآثار بجامعة طنطا، إن المتحف المصري الكبير يمثل ثمرة البذرة التي زرعها الفنان فاروق عبد العزيز حسني منذ عقود طويلة، وها هي تؤتي ثمارها في عام 2025، لتخفف الضغط عن المتحف المصري بالتحرير وتعيد عرض كنوز الحضارة المصرية في إطار أكثر حداثة وتنظيمًا. 
وأوضح "إبراهيم" فى تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مشروع أثري ضخم، بل رسالة حضارية خالدة تؤكد أن مصر التي تحفظ آثار الماضي، قادرة على بناء حاضرها وصون مستقبلها بعزيمة لا تعرف التوقف. 
ووجه الدكتور حجاجي إبراهيم الشكر إلى الأثريين والمرمّمين والدول المانحة والشركات القابضة والداعمين والقوات المسلحة ومحافظ الجيزة والدكتور مجدي يعقوب، مؤكدًا أن جهودهم جميعًا كانت سببًا في تحويل حلم المتحف الكبير إلى واقع حي. 
كما دعا جميع العاملين بالمتحف إلى التحلي بالوطنية والإخلاص في العمل للحفاظ على هذا الصرح العظيم، محذرًا من تكرار ما حدث في الماضي من فقدان أو إهمال لبعض المقتنيات النادرة، مثل المجوهرات الملكية الخاصة بالإمبراطورة "أوجيني" زوجة نابليون الثالث. 
وطالب إبراهيم بضرورة الحفاظ على كل جزء بالمتحف وزيادة عدد القطع الأثرية المعروضة لا اختزالها، مستشهدًا بما حدث لمتحف النسيج بشارع المعز لدين الله، الذي أنشأه الوزير فاروق حسني وكان من أجمل المتاحف الفنية قبل أن يتعرض للإهمال في فترة لاحقة.
بينما قالت الدكتورة نجلاء رشاد، أستاذة الآثار بكلية الآثار جامعة الإسكندرية، إن مصر تشهد حاليًا مرحلة استثنائية من إعادة بناء صورتها على الساحة الدولية من خلال مشروعين وطنيين متكاملين يعكسان جوهر شخصيتها الحديثة، وهما مؤتمر السلام في شرم الشيخ وافتتاح المتحف المصري الكبير. 
وأوضحت "رشاد" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم"، أن مؤتمر السلام يعبر عن الوجه الدبلوماسي لمصر العصرية وسياستها القائمة على الحوار والتفاهم، في حين يجسد المتحف الكبير هويتها الثقافية العميقة الممتدة عبر سبعة آلاف عام، مؤكدة أن الجمع بين الحدثين في توقيت متقارب يعكس وعي الدولة بأن القوة الناعمة والثقافة هما أساس السلام الحقيقي. 
وأضافت، أن المتحف المصري الكبير لا يُعد مجرد منشأة أثرية ضخمة، بل رسالة إنسانية راقية تحمل للعالم فكرة أن السلام يبدأ من المعرفة، وأن الحضارة المصرية القديمة كانت حضارة علم وتنمية وتسامح، مشيرة إلى أن التصميم المعماري المذهل وطريقة العرض الحديثة يجعلان من المتحف منصة عالمية للحوار بين الثقافات. 
كما لفتت أستاذة الآثار إلى أن هذا المشروع يمثل نموذجًا متميزًا للتعاون الدولي، إذ شاركت في تنفيذه خبرات ومؤسسات من أكثر من 15 دولة، ما يعكس ثقة المجتمع الدولي في مصر ومكانتها الحضارية، ويعيد تقديمها للعالم بصورتها الحقيقية كقوة ثقافية مؤثرة وملهمة. 
وتابعت: "حين يجتمع قادة العالم في شرم الشيخ للحوار حول السلام، ثم يقفون على أعتاب الأهرامات مبهورين بعظمة المتحف الكبير، ندرك كيف توظف مصر تاريخها لخدمة حاضرها ومستقبلها، لتؤكد أن الثقافة والسلام والتنمية وجوه متعددة لهوية واحدة اسمها مصر."
 
                



 
                            
                            
                            
                           