عاجل

دراسة تكشف الأهمية الجيوسياسية لـ البحر الأحمر لدول القرن الإفريقي

البحر الأحمر
البحر الأحمر

يُعد البحر الأحمر منطقة جيوسياسية حيوية تشهد تصاعدًا في التنافس على النفوذ بين قوى إقليمية ودولية متعددة، بما في ذلك دول الخليج والشرق الأوسط والولايات المتحدة والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي المحتمل، خاصةً عند مضيق باب المندب، هذا التنافس، الذي تغذيه الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر في تجارة الطاقة ودوره المحوري لدول القرن الأفريقي، يخلق ديناميكيات إقليمية معقدة وتوترات متزايدة، وتتعقد هذه الأوضاع بفعل التوترات المتصاعدة الناتجة عن هجمات الحوثيين والاتفاق الإثيوبي-الصومالي المثير للجدل، مما يزيد من المخاوف بشأن احتمال تصاعد الصراعات الإقليمية.

الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر

ووفقا لدراسة أعدها مركز رع للدراسات الاستراتيجية تتصاعد الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر والقرن الأفريقي، مما يؤجج تنافسًا حادًا على الموانئ والقواعد العسكرية بين قوى إقليمية ودولية، مدفوعًا باعتبارات جيوسياسية واقتصادية واستراتيجية معقدة([1]). ويبرز الموقع الفريد للمنطقة كممر حيوي للتجارة العالمية، خاصة للنفط عبر قناة السويس، وقد أكدت التطورات الإقليمية الأخيرة، مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وهجمات الحوثيين، الدور المحوري لهذه المنطقة في استقرار الاقتصاد العالمي، حيث يمر عبرها نحو 12% من التجارة البحرية العالمية و30% من حركة حاويات الشحن. هذه الأحداث كشفت التهديد المباشر لحرية الملاحة في هذا الشريان المائي الحيوي([2]).

في أواخر عام 2023، دفعت هجمات الحوثيين المتصاعدة في اليمن على السفن المارة بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى إجراء إعادة تقييم استراتيجي شاملة لأمن البحر الأحمر من منظور الأمن البحري([3]). وقد بلغ انعدام الأمن في هذه المنطقة مرحلة حرجة في أوائل عام 2024، حيث عمد الحوثيون إلى استهداف السفن التجارية ردًا على تصاعد الصراع في غزة، مما ألقى بظلاله على الاستقرار الإقليمي ويهدد تدفق التجارة العالمية. وقد استدعت هذه التطورات استجابات دولية حاسمة، تجسدت في شن غارات جوية بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وإطلاق الاتحاد الأوروبي لعملية أسبيدس ASPIDES([4]) بهدف تأمين حركة الملاحة وحماية السفن في البحر الأحمر([5]).

لقد شكلت الأهمية الجيوسياسية للبحر الأحمر حافزًا محوريًا للنزاعات الإقليمية، حيث عمل الصراع العربي الإسرائيلي كعامل مضاعف لتلك التوترات. ومع تحول المنطقة إلى مركز حيوي للتجارة العالمية بفضل قناة السويس، أضحت مساعي تحقيق الأمن الجماعي وتعزيز الشراكات الاقتصادية الإقليمية بين الدول المطلة على البحر الأحمر مهمة بالغة التعقيد استعصت على الحل لعقود طويلة.

المنافسة الدولية في البحر الأحمر:

يشهد البحر الأحمر تنافساً جيوسياسياً معقداً بين قوى دولية وإقليمية، مدفوعاً بأهميته الاستراتيجية كشريان حيوي للتجارة والعسكرية، مما يدفع هذه القوى لتأمين الموانئ والقواعد لتعزيز نفوذها الاقتصادي في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية، ويمكن توضيح هذا كالتالي:

2.القوى الدولية:

تحافظ الولايات المتحدة على تواجد عسكري استراتيجي في جيبوتي، مركزة على تأمين حرية الملاحة ومكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية في المنطقة. في المقابل، قامت الصين بتأسيس أول قاعدة عسكرية خارجية لها في جيبوتي، مستغلة موقع البحر الأحمر الحيوي في سياق مبادرتها الطموحة “الحزام والطريق”. وإدراكًا منها للأهمية الاستراتيجية للموارد الطبيعية الأفريقية الهائلة وغير المستغلة، وسعت الصين نفوذها على مدى عقدين من خلال الاستثمارات المدروسة واستخدام أدوات الدين بفاعلية، ليطال تأثيرها الآن مختلف أنحاء القارة.

بالتوازي مع ذلك، تواصل روسيا مساعيها لتوسيع نفوذها العسكري والبحري في المنطقة، ويتجلى ذلك بوضوح في سعيها لإقامة قاعدة بحرية في بورتسودان عبر اتفاق تم إبرامه مؤخرًا مع السودان في منتصف فبراير 2025. ويمثل هذا التطور تحقيقًا لطموح روسي قديم بتعزيز تواجدها العسكري على البحر الأحمر، وهي أهمية ازدادت بشكل ملحوظ في ضوء التغيرات الجيوسياسية الإقليمية خاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا([6]).

2. القوى الإقليمية:

شهد القرن الأفريقي في بدايته تصاعد نفوذ خليجي مدفوعًا بالتنافس الأمني مع إيران، وتسارع بتدخل عسكري مكثف وإنشاء قواعد بعد حرب اليمن 2015. وحاليًا، يشهد تنافسًا متعدد الأطراف يشمل إيران ومصر وتركيا، مما يعكس تصديرًا لبؤر التنافس الشرق أوسطية بين الإمارات والسعودية ومصر من جهة، وتركيا وقطر من جهة أخرى، سعيًا للهيمنة الإقليمية.

تُركز تركيا وقطر استراتيجيًا على تعزيز نفوذهما الإقليمي في البحر الأحمر وشرق أفريقيا. يتجلى ذلك في الاستثمارات التركية في السودان (جزيرة سواكن)، وتوطيد العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع دول المنطقة، بالإضافة إلى الوجود التركي والقطري في الصومال (قاعدة عسكرية تركية، إدارة موانئ ومطارات تركية، نفوذ قطري في الجنوب)([7]).

تكتسب الاتفاقيات الثنائية المبرمة بين جمهورية تركيا وجمهورية جيبوتي في فبراير 2024 أهمية جوهرية، حيث تمثل تجسيدًا عمليًا لمفهوم “العمق الاستراتيجي” الذي تتبناه تركيا في سياستها الرامية إلى تعزيز حضورها ونفوذها في مختلف البيئات الإقليمية المحيطة، وذلك من خلال آليات التعاون المشترك في مجالات التدريب العسكري والمالي والإنساني([8]).

بينما تسعى إيران للحفاظ على خطوط بحرية مع الحوثيين وسط اتهامات بتهريب الأسلحة عبر البحر الأحمر، وتعمل الإمارات العربية المتحدة على توسيع نفوذها البحري في المنطقة، حيث تتطلع لإنشاء قاعدة في أرض الصومال، بعد أن أسست بالفعل قواعد وموانئ في إريتريا وأرض الصومال وبونتلاند.

وعززت السعودية نفوذها الإقليمي استراتيجيًا باتفاق مع جيبوتي لإنشاء قاعدة عسكرية خارجية، وذلك عقب جهود دبلوماسية مكثفة بما في ذلك استضافة منتدى البحر الأحمر 2018، لترسيخ دورها كقوة محورية في القرن الأفريقي وتأمين مصالحها الاقتصادية والممرات البحرية([9]).

اللاعبون الأفارقة في معادلة البحر الأحمر:

تتمتع جيبوتي بموقع استراتيجي محوري في القرن الأفريقي وإشراف على مضيق باب المندب الحيوي، مما أكسبها أهمية جيوسياسية عالمية واستضافتها لقواعد عسكرية بارزة. تسعى جيبوتي للاستفادة من هذا الموقع كمركز لوجستي وتجاري إقليمي، مع التركيز على الاستقرار الداخلي كعنصر جذب للاستثمارات([10]).

افتتاح الصين لقاعدتها العسكرية في جيبوتي عام 2017 يمثل تطورًا استراتيجيًا هامًا، يعكس الأهمية الجيوسياسية للمنطقة بالنسبة لبكين، حيث تشرف القاعدة على مضيق باب المندب الحيوي وتدعم الاستثمارات الصينية المتنامية([11]). تُعزز جيبوتي علاقاتها مع الصين وتستفيد من خبرتها في تطوير الموانئ، كما يؤكد الاتفاق الاستراتيجي في ديسمبر 2020 على الشراكة الاقتصادية الطموحة بهدف ترسيخ مكانة جيبوتي كمركز لوجستي إقليمي. هذا التعاون يهدف إلى دعم الجهود الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب والقرصنة البحرية([12]).

ومع تصاعد التوترات في البحر الأحمر، تبرز أرض الصومال بموقعها الاستراتيجي على خليج عدن وباب المندب كلاعب مهم، حيث يقدم استقرارها وميناء بربرة بديلاً جذابًا للولايات المتحدة وحلفائها لمواجهة التحديات الإقليمية، بينما يشهد الصومال تنافسًا على النفوذ لاستغلال موقعه وهشاشته([13]).

في الوقت ذاته، تبرز تركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر كقوى خارجية فاعلة تتنافس على النفوذ الاستراتيجي في الصومال. وتتجلى مظاهر هذا التنافس في الاستثمارات التركية الكبيرة، بما في ذلك القاعدة العسكرية وإدارة البنية التحتية الحيوية في مقديشو، مقابل إدارة الإمارات لموانئ رئيسية في مناطق أخرى وبناء قاعدة عسكرية في إريتريا. وقد دفعت هذه الديناميكية الحكومة الصومالية لطلب الدعم من قوى إقليمية أخرى لمواجهة التطورات الأخيرة في المنطقة([14]).

في خضم ديناميكيات إقليمية متغيرة بسرعة، تسعى مصر وتركيا لتعزيز حضورهما الاقتصادي والعسكري والسياسي في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، مما دفع الصومال لطلب دعم تركي ومصري لمواجهة النفوذ الإثيوبي المتزايد([15]).

وتُعدّ إثيوبيا دولة محورية في منطقة القرن الأفريقي، ويُمثل الوصول إلى الموانئ البحرية ضرورة استراتيجية حيوية لتنمية تجارتها الخارجية. وباعتبارها إحدى الدول القليلة غير الساحلية، تواجه تحديات اقتصادية وسياسية مركبة تفاقمت بعد استقلال إريتريا عام 1991، مما جعل تأمين منافذ بحرية أولوية قصيرة وطويلة الأمد([16]).

وفي إطار سعيها لتوسيع نطاق تجارتها العالمية وتقليل اعتمادها على جيبوتي، تبنت إثيوبيا استراتيجية محورية لتنويع منافذها البحرية عبر تعزيز علاقاتها الإقليمية. وقد شكل التقارب مع إريتريا في عام 2018 نقطة تحول، مما أتاح فرصًا استثمارية في موانئها الاستراتيجية، وعلى رأسها ميناء عصب. وعليه، يمكن القول إن طموحات إثيوبيا، تتجاوز مجرد تسهيل التجارة، لتشمل ترسيخ دورها كقوة إقليمية ذات تأثير جيوسياسي متزايد([17]).

وقد أكد رئيس الوزراء آبي أحمد على الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر، مشددًا على ضرورة التحرر من وضع الدولة غير الساحلية في ظل النمو السكاني المتزايد. وفي هذا السياق، يمثل توقيع مذكرة التفاهم مع أرض الصومال تحولًا استراتيجيًا يعيد تعريف أهمية البحر الأحمر لإثيوبيا، وهو ما يتجسد في استراتيجية “المياه الكبرى” التي تربط مستقبلها الاقتصادي بأمنها البحري. وقد عززت إثيوبيا هذه الاستراتيجية بتوقيع اتفاقيات للوصول إلى ميناء بورتسودان وحصولها على حصة في ميناء بربرة، مما يعكس تطلعاتها المتزايدة نحو الوصول إلى البحر([18]).

وتتمتع إريتريا بموقع جغرافي ذي أهمية قصوى، حيث تطل على ساحل ممتد على البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي. ترتكز استراتيجيتها على الاستفادة القصوى من هذا الموقع الجيوسياسي لتعزيز دورها ونفوذها الإقليمي، فضلاً عن إمكانية لعب دور الوساطة في النزاعات القائمة. ومع ذلك، فإن العلاقات التاريخية المتوترة مع كل من جيبوتي والسودان تشكل تحديًا للاستقرار الإقليمي([19]).

ديناميكيات التنافس على البحر الأحمر:

يشهد القرن الأفريقي تصاعدًا في التنافس على الموانئ، مدفوعًا بموقعه الاستراتيجي وأهميته في الوصول إلى الموارد والنفوذ الإقليمي، مما يثير مخاوف بشأن الاستقرار. وقد تجلى هذا التوجه في إنشاء قواعد عسكرية أجنبية، خاصة في جيبوتي، مما يؤكد على الدور الحيوي للمنطقة في التوازنات الإقليمية والدولية([20]). ويتضح هذا المشهد التنافسي الإقليمي في عدة محاور رئيسية، أبرزها:

(*) التنافس على تطوير البنية التحتية للموانئ والسيطرة على المواقع الاستراتيجية المطلة على البحر الأحمر، وذلك بهدف تسهيل التدفقات التجارية وترسيخ النفوذ اللوجستي في المنطقة.

(*) مساعي الدول لتشكيل تحالفات وشراكات استراتيجية مع قوى إقليمية ودولية، سعياً لتعزيز مصالحها وضمان موطئ قدم راسخ في المنطقة.

(*) التأثير المباشر للصراعات الحدودية والاضطرابات الداخلية في دول القرن الأفريقي على استقرار البيئة الأمنية في منطقة البحر الأحمر.

(*) تزايد حدة التدخلات الخارجية من قِبَل قوى عالمية وإقليمية، بما في ذلك دول الخليج وتركيا وإسرائيل والقوى الكبرى، مما يزيد من تعقيد الديناميكيات الإقليمية عبر دعم أطراف متنافسة.

تأسيسا على ما سبق، يمكن القول إن التنافس المحموم في منطقة القرن الأفريقي، يسفر عن تداعيات خطيرة تهدد الاستقرار الإقليمي، وتتجلى أبرز آثاره فيما يلي:

(-) تصاعد التوترات وتآكل الثقة المتبادلة: يؤدي اشتداد الصراع بين القوى الإقليمية والدولية إلى تفاقم حالة عدم الثقة وزيادة حدة التوترات بين دول المنطقة، ما يعمّق الانقسامات ويقوّض فرص بناء الثقة.

(-) إضعاف التعاون الإقليمي: يتسبب هذا التنافس في عرقلة الجهود الهادفة إلى تعزيز التكامل الإقليمي، لا سيما في مجالات الأمن والتنمية الاقتصادية، ما يحد من قدرة الدول على تنسيق سياساتها المشتركة والتصدي للتحديات العابرة للحدود.

(-) فتح المجال أمام التدخلات الخارجية: يخلق غياب الاستقرار بيئة خصبة للتدخلات الخارجية، حيث تستغل القوى الدولية الانقسامات الإقليمية لتوسيع نفوذها، مما يزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية والسياسية في المنطقة.

(-) يؤدي عدم الاستقرار في القرن الأفريقي إلى تهديد أمن الملاحة الدولية وحركة التجارة العالمية، خاصة في البحر الأحمر، مما يعيق سلاسة تدفق الإمدادات.

(-) شكل استمرار خطر القرصنة وتصاعد نشاط الجماعات المتطرفة مثل “داعش” و”الشباب” مصدر قلق متزايد للقوى الدولية.

وعلى ما سبق، يمكن القول إن التفاعلات المتزايدة أدت إلى تنافس دولي حاد على موانئ القرن الأفريقي الاستراتيجية، خاصة المطلة على البحر الأحمر، مما أضفى بُعدًا أمنيًا على هذه المنافسة، بالتزامن مع تنامي نفوذ قوى إقليمية مثل السعودية، التي تستحوذ على حصة كبيرة من الاستثمارات الزراعية في المنطقة سعيًا لتأمين مصالحها([21]).

وعلى الرغم من التحديات الجيوسياسية، فإن دخول قوى كبرى جديدة إلى القرن الأفريقي يحمل إمكانات تنموية كبيرة، خاصة عبر الاستثمارات في البنية التحتية التي تحفز المنافسة وتدفع عجلة النمو الإقليمي، كما يتضح من التوسع الملحوظ في المشاريع الحيوية مثل تطوير الموانئ الاستراتيجية في المنطقة([22]).

وتستند هذه الرؤية إلى مؤشرات إيجابية قوية، أبرزها التوسع الكبير في مشاريع البنية التحتية الإقليمية. وتشمل هذه التطورات موانئ استراتيجية تم تطويرها في أرض الصومال وبوصاصو في بونتلاند وجيبوتي، بالإضافة إلى إعادة تأهيل ميناء مقديشو وجهود إحياء ميناء سواكن وتطوير ميناء هوبيو في منطقة جالمودوج الصومالية. تعكس هذه المشاريع الحالية والمستقبلية ديناميكية متزايدة في تطوير البنية التحتية الحيوية للمنطقة([23]).

توقعات مستقبلية:

تشكل منطقة البحر الأحمر بؤرة لتحديات معقدة تعيق التعاون الفعال، نتيجة لتداخل التنافسات التاريخية والاضطرابات السياسية وتضارب المصالح. ورغم هذه التعقيدات الجيوسياسية وتراجع الثقة، تمتلك المنطقة مقومات نمو مستدام بفضل موقعها الاستراتيجي وثرواتها الطبيعية. ويتطلب تفعيل هذه الإمكانات وتعزيز الاستقرار والازدهار إعطاء الأولوية للتكامل الاقتصادي والإقليمي، كما يبرز مشروع جسر القرن الأفريقي (مشروع مقترح لبناء جسر يصل سواحل جيبوتي واليمن عبر باب المندب) ومبادرة تأسيس مجلس البحر الأحمر كخطوات محورية نحو تحقيق رؤية إقليمية مشتركة.

يمثل تعزيز التعاون الإقليمي والدولي وتضافر الجهود متعددة الأطراف استراتيجية حتمية لتحقيق تنمية مستدامة في منطقة البحر الأحمر. تتضمن الأولويات الرئيسية تعزيز الأمن البحري المشترك لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، وتطوير أطر تجارية واقتصادية متقدمة، وتنفيذ مشاريع بنية تحتية متكاملة. بالإضافة إلى ذلك، يستدعي الأمر تنسيق الجهود لمواجهة تداعيات تغير المناخ من خلال سياسات مشتركة للإدارة المستدامة للموارد([24]).

يواجه قطاع البنية التحتية في القرن الأفريقي تحديات هيكلية، لكن سوقه المتنامي يجذب منافسة استثمارية متزايدة تحمل فرصًا اقتصادية واعدة. يمكن لتنوع المستثمرين، عبر تدفق الاستثمارات والمنافع الاقتصادية الملموسة، أن يعزز الاستقرار السياسي والتنمية الشاملة في المنطقة. وتتيح تعددية الخيارات الاستثمارية للحكومات المحلية تعزيز قوتها التفاوضية وشروط الشراكات، كما يتضح من حالة شركة CMP الصينية التي منحت جيبوتي موقفًا أكثر حزمًا، وتوفر التطورات الحالية فرصة للقرن الأفريقي لجذب الاستثمارات والبنية التحتية مع تغيير تعامل دول المنطقة مع الأطراف الخارجية لتحقيق الاستفادة المثلى([25]).

في منطقة القرن الأفريقي، تتداخل المصالح الدولية والإقليمية المعقدة، مدفوعة بتنافس جيوسياسي واقتصادي يتجلى في توسع القواعد العسكرية والاتفاقيات الأمنية الثنائية. هذا التدخل الخارجي، كما يظهر في تركيز الإمارات والسعودية، وتداعيات اتفاقية موانئ دبي العالمية، يعمق تعقيدات الأمن الإقليمي والمنافسة بالوكالة والتوترات الدبلوماسية.

ختامًا، يشهد البحر الأحمر تحولًا استراتيجيًا محوريًا، متجاوزًا دوره التقليدي كممر مائي حيوي ليصبح ساحة لتنافس جيوسياسي حاد بين دول القرن الأفريقي. يتطلب تحليل التطورات الإقليمية واستشراف مسارات الأحداث في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية البالغة فهمًا دقيقًا للديناميكيات المعقدة التي تحكمها واستراتيجيات الأطراف الفاعلة الرئيسية. ويتطلب الوضع الراهن تعاونًا إقليميًا استراتيجيًا لتنمية اقتصادية مستدامة وتجنب التصعيد العسكري، حيث أن تعقيدات تفاعلات القوى الإقليمية وتنافس النفوذ في الشرق الأوسط والقرن الأفريقي تحمل تداعيات استراتيجية خطيرة على الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية.

تم نسخ الرابط