عاجل

هل ينعكس استهداف المكون العلوي السوري على العلويين في تركيا؟

احتجاجات في تركيا
احتجاجات في تركيا

تمحورت معالجة الدور التركي في سوريا ما بعد الأسد حول دراسة التفاعلات على المستوى الرسمي، بينما بقيت الجوانب المجتمعية بعيدة عن دائرة الاهتمام، وربما يرجع ذلك إلى الدور الرئيسي للحكومة التركية في عملية هندسة المشهد السوري الراهن ومحدودية الصدى الاجتماعي مقارنة باتساع نطاق الروابط السياسية والعسكرية والاقتصادية، غير أن الروابط الاجتماعية لا يُمكن تجاهلها بشكل مُطلق بالنظر إلى أن البُعد الطائفي لصراعات الشرق الأوسط يحمل أخطارًا سياسية واجتماعية أوسع يتجاوز مردودها جغرافيا دولة الصراع، فلا شك أن الممارسات الطائفية بحق الأقليات العرقية والدينية السورية تُشكل تهديدًا قد يتجاوز الحدود ويؤثر في تركيا والدول المحيطة بها، فمنذ سيطرة هيئة تحرير الشام على الإدارة السورية نشأت مخاوف داخل المجتمع العلوي في تركيا من أن تستهدف الحكومة السنية العلويين الذين يعيشون في هذه الأراضي، وتابع العلويون الأتراك الانتهاكات والاعتداءات بحق نظرائهم السوريين لا سيَّما المتعلقة بمنطقة الساحل خلال مارس الفائت. وفي هذا الإطار، تُقدم الورقة نبذة عن خصائص المجتمع العلوي التركي، ومظاهر استجابته للانتهاكات بحق علويي سوريا، وتداعياتها الاجتماعية والسياسية.

خصائص المجتمع العلوي التركي

ووفقًا لدراسة أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تجدر بدايةً الإشارة إلى أن العلويين في تركيا فئتان؛ إحداهما عربية والأخرى أناضولية، وهما يختلفان على صعيد بنية المعتقد والممارسات الدينية. ويتركز العلويون العرب في ولايات ساحل البحر المتوسط مثل هاتاي ومرسين وأضنة وأديامان وانطاليا، إلى جانب بضعة آلاف في أنقرة وإسطنبول، ويقدرون جميعًا بحوالي 250 ألف شخص تتراوح نسبتهم ما بين %5 إلى 7% من العلويين في تركيا، ولديهم صلات قرابة بالعلويين السوريين ويحالون الاحتفاظ بهويتهم العربية مع ملاحظة ضعف الموروثات الثقافية العربية بين الأجيال الأحدث على خلفية سياسات طمس الهوية التركية. فيما يتركز العلويون الأناضوليون ضمن العديد من الولايات التركية بما في ذلك سيواس وتوكات ويوزغات ونيفشهير وجوروم وأماسيا وكهرمان ماراش وقارص وبالكسير ومانيسا وإزمير وموغلا وبنجول وتونجلي وإرزينجان وملاطيا وقيصري وأديمان وعازي عتاب وموس وفان وهكاري، ويُقدر عددهم بحوالي ما بين 10-15 مليون نسمة منهم نحو 35% من العلويين الأكراد، مع ضرورة الإشارة إلى أن أعدادهم وانتشارهم في تلك الولايات وغيرها تغير بمرور الزمن عل خلفية المضايقات التي تعرضوا لها، كما أن تعداد العلويين في تركيا يظل تقريبيًا نظرًا إلى أن الحكومة لا تشملهم بتعداد سكاني خاص وإنما تعتبرهم مسلمين فقط، وفيما يلي تفصيل لخصائص المجتمع العلوي التركي:

الميل للتيار اليساري وحزب الشعب الجمهوري: يُعرف العلويون في تركيا نفسهم باليساريين، ليس وفق المكون الطبقي ولكن على أساس العلاقة بالدين، فمفهوم اليمين بالنسبة لهم يناظر التعصب الديني والرجعية بينما يُشير اليسار إلى العلمانية والديموقراطية. وفي هذا الإطار، يمتلك بعض العلويين تصورات سلبية تجاه الحجاب ويعتبروه “رمزًا سياسيًا”، لذلك كانوا أكثر ميلًا إلى حظر ارتداءه، غير أن تلك النظرة المتشددة تراجعت بعض الشيء مؤخرًا، مع إظهار موافقة أكبر على ارتداء الحجاب بضوابط تتعلق باستثناء الأطفال ومقدمي الخدمات العامة. ويميل العلويون بشكل كبير إلى التصويت لحزب الشعب الجمهوري وينخرطون بشكل واضح بين صفوفه؛ حيث أظهرت بعض التقديرات أن 80% من العلويين المشاركين بالانتخابات يصوتون لصالح حزب الشعب الجمهوري؛ نظرًا “لدفاعه عن العلمانية في مواجهة الرجعية الدينية” بحسب نظرتهم، علاوة على كونه حزبًا يساريًا/ديمقراطيًا اجتماعيًا، فضلًا عن انتقال العديد من العلويين إلى الطبقة المتوسطة المتعلمة مع تزايد هجرتهم من المناطق الريفية التي سكنوها تقليديًا إلى المدن الحضرية ومن ثَمّ أصبحوا أكثر استعدادًا لتنحية هويتهم الدينية والثقافية كأحد مظاهر الاندماج مع بقية المجتمع مقابل تبني الأيديولوجية العلمانية اليسارية. ومع ذلك، يتم توجيه انتقادات للحزب تتشابه مع الانتقادات العامة الموجهة إليه فيما يتعلق بالانفصال عن الشارع والانقسامات الداخلية. 

بالمقابل، هناك اتجاه قوي مناهض لحزب العدالة والتنمية بين العلويين إذ يعتبرونه نموذجًا للرجعية الدينية والفساد، وحتى الشباب العلوي الذين يميلون إلى يمين الوسط نتيجة لعائلاتهم وتفاعلاتهم الشخصية فإنهم يبتعدون تمامًا عن العدالة والتنمية. وتنطبق النظرة شديدة السلبية ذاتها على حزب الحركة القومية لا سيَّما بين العلويين الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة؛ نظرًا لإرث الصراع ما قبل عام 1980، غير أن الأجيال الجديدة أقل عداءً للحزب، وبصفة عامة خفت حدة المعارضة للحزب مقارنة بالعدالة والتنمية مع استمرار توجه عدم التعاطف معه.

ثلاثة مستويات للانخراط في النشاط السياسي: لا ينخرط الأشخاص العلويون كافة في النشاط السياسي، إذ ترتبط علاقتهم بالسياسية بتعريفهم لهويتهم العلوية، وهنا تبرز ثلاثة تعريفات للهوية، أكبرهم عددًا هؤلاء الذين يتبنون العلوية كهوية ثقافية، وهم يتأثرون بالخطابات اليسارية والدينية ويعرفون أنفسهم بأنهم قريبون من الفكر الكمالي العلماني، بينما تظل مشاركتهم في الأنشطة السياسية منخفضة لكنها ليست منعدمة فقد يشاركون في أنشطة تسلط الضوء على المطالب المتوافقة مع القيم العلمانية. يليهم وفق معيار العدد العلويون الدينيون ويركزون على إبقاء الأبعاد الدينية للعلوية حية في بيوت الجمع. أما الفئة الأقل عددًا هما العلويون المنخرطون بالنشاط السياسي وينقسمون إلى ثلاثة مجموعات؛ الأولى يُطلق عليها “العلويون الجمعياتيون” كونهم ينخرطون في السياسة ضمن أنشطة الجمعيات المرتبطة بالعلوية ويسلطون الضوء على المطالب الحقوقية، والثانية يُطلق عليها “العلويون الديموقراطيون” ويشاركون في أنشطة نقابية ومنظمات مجتمع مدني وأحزاب مثل حزب الشعب الجمهوري ويدعمون مطالب ونضالات الهوية العلوية، أما الثالثة فيطلق عليها “العلويون الثوريون” وهم الأقل عددًا وينضون ضمن الهياكل الثورية.

تبني نهج الكماليين تجاه القضية الكردية: يتبع العلويون موقف الكماليين في القضية الكردية، إذ يؤدي التدين بين السكان الأكراد إلى تحيزات ضدهم من العلويين بمن فيهم الأكراد، كما أدى تطوير حزب المساواة الشعبية والديمقراطية سياسات مشتركة مع الحكومة التركية ضمن عمليات الحل المتعددة خلال العقد الأخير إلى زيادة الحساسية تجاه القضية الكردية بين العلويين بشكل عام، وبين العلويين الأكراد بشكل خاص. ومع ذلك، يُبدي بعض الشباب العلويين تعاطفًا مع الأكراد اليساريين في حزب المساواة الشعبية والديمقراطية، ويعتبرونهم مضطهدين يستحقون المساندة، بينما الأكراد المتدينين غير مقبولين في نظر هؤلاء الشباب، ويعتقدون أنهم معادون للعلويين ورجعيون ومتشددون، كذلك، هناك اتجاه –لا يزال محدودًا بالنسبة للأغلبية العظمي– بدأ يوجه انتقادات للكمالية، وبالأخص بين الشباب العلويين الأكراد أو الذين يتفاعلون بشكل كبير مع الأكراد.

الشعور بالتمييز: يميل العلويون الأتراك إلى الشعور بالتعرض لسياسات تمييزية على المستويين الجماعي والفرد تتعلق بعدم القدرة على ممارسة شعائرهم الدينية علنًا، واعتبار بيوت الجمع (دور العبادة العلوية) مؤسسات ثقافية دونما مساواتها بدور العبادة الأخرى، وإطلاق أسماء لا يفضلها العلويون على الأحياء والشوارع العلوية، ورفض إعفاء الطلاب العلويين من حضور مادة “الثقافة الدينية والمعرفة الأخلاقية”، ووجود صعوبات تواصل مع بعض أفراد المجتمع غير العلوي نتيجة الأحكام المسبقة، علاوة على تعرض المؤسسات العلوية التي عارضت سياسات الاستيعاب لأوصاف مثل “العلوي الهامشي” و”العلوي الملحد”، ومحاولة إنشاء مؤسسات علوية بديلة من خلال تجميع ثلاثة إلى خمسة أشخاص كنواة لتلك الكيانات، وفي بعض الأحيان يتم التعامل مع العلوية كقضية أمنية ويتهمون بالتعاون مع الخارج. 

ويُغذي شعور التمييز ذاكرة الصراع السلبية؛ حيث تعرض العلويون للعنف الجماعي في فترات عدة؛ بما في ذلك مذبحة تونيجلي بين عامي 1937-1938، ومذبحة إرزينجان زيني غيدي عام 1938، ومذبحة مالاطيا عام 1978، ومذبحتا سيفاس وماراش عام 1978، ومذبحة عام جوروم 1980، ومذبحتا سيفاس وحي غازي في إسطنبول عام 1995، إلى جانب التعرض لبعض الهجمات في مناطقهم. وعقب محاولة الانقلاب الفاشلة (يوليو 2016) تعرض بعض الأطراف والمؤسسات العلوية لملاحقات بدعوة ارتباطهم بجماعة عبد الله جولن بما في ذلك إلقاء القبض على بعض الشخصيات واستهداف الصحافيين العلويين، وإغلاق قناة TV10 التلفزيونية التي تُعرف بـ “صوت العلويين”. هذه الملاحقات دفعت عديد العلويين إلى الشعور بالتهديد الهوياتي المستمر، وممارسة شعائرهم الدينية سرًا، وإخفاء هوياتهم لتفادي التمييز ومن ذلك إطلاق العلويين الأكراد أسماء كردية على أبنائهم، وتبنى الأفراد الذين يعيشون في المناطق الحضرية –وبالأخص الشباب– أسلوب حياة الأتراك السنة العلمانيين. 

ورغم اتباع حزب العدالة والتنمية سياسة “العصا والجزرة” لاحتواء المكون العلوي، تارة من خلال إبداء مرونة إزاء بعض المطالب العلوية لإظهار تبني نهج غير تمييزي مثل إضافة وحدتين معلوماتيتين عن العلويين إلى مقررات الإسلام السني التي تدرس في المدارس، وتحويل فندق ماديماك في سيواس (حيث قُتل 33 علويًا في مذبحة 2 يوليو 1993) إلى مركز ثقافي وبناء ركن للذاكرة في داخله، وتارة من خلال الإتيان بممارسات استيعابية مثل إقناع العلويين بالإيمان والعبادة على طريقة الإسلام السني وهو نهج تبناه أردوغان ووزير خارجيته أحمد داوود أوغلو في إحدى الفترات، والتواصل مع المجتمع العلوي من خلال بعض المؤسسات العلوية التي دعمتها الحكومة ماليًا، غير أن المجتمع العلوي قاوم السياسات الاستيعابية واعتبر القرارات الحكومية المحدودة لصالح العلويين غير كافية لإنهاء الممارسات التميزية، واستمر بالمطالبة بالقبول بيوت الجمع كأماكن للعبادة والمساواة في المعاملة مع أماكن العبادة الأخرى، وكتابة كلمة “علوي” في خانة الدين في بطاقة الهوية، والإعفاء من الدروس الدينية، إنهاء كافة سياسات الدمج ضد العلويين.

ملامح الاستجابة لتطورات المجتمع العلوي السوري

رغم التباين بين العلوية العربية والعلوية الأناضولية، فإن الفئتين أظهرتا استجابة لسياسات الإدارة السورية الجديدة بحق العلويين، تأتي تلك الاستجابة انطلاقًا من إدراك العلويين الأناضوليين بأن فتاوى وجوب القتل التي تطلقها التيارات ذات الأيديولوجيات السلفية الجهادية ضد العلويين العرب (رغم الاختلاف بينهما) تنطبق عليهم أيضًا، ومن ثَمّ فإن التيارات ذات المرجعيات المماثلة في تركيا سوف تتعامل معهم بالمنطق نفسه إذا ما سنحت لها الفرصة، وفيما يلي استعراض لأبرز مظاهر التعاطي مع أحداث سوريا:

إقامة وقفات احتجاجية وإصدار بيانات منددة: نظم العلويون الأتراك وقفات احتجاجية أمام بعض المراكز الثقافية التابعة لهم في العديد من الولايات؛ حيث مثلت أحداث الساحل السوري صدمة شبيهة لتلك التي عاشوها خلال مذبحة سيواس عام 1993، ولعل أهم أوجه التشابه بين الاثنين في كلتا الحالتين، هو تحطم شعور العلويين بأن مثل هذه المجازر لن تحدث مرة أخرى، ويُعزز هذا الشعور بالصدمة الرغبة في التضامن عن طريق التحرك المشترك والانخراط في السياسة، وهو ما جسدته الاحتجاجات. وتكشف الخبرة التاريخية أن إحدى أهم العواقب المتوسطة والطويلة الأمد لمجزرة سيواس أن العلويين، ولأول مرة في تاريخهم، نظموا أنفسهم بالمعنى الحديث، وفي هذا السياق انتشرت الجمعيات العلوية على نطاق واسع في تركيا وخارجها. 

إصدار بيانات منددة: أصدرت المنظمات العلوية في تركيا، بما في ذلك اتحاد البكتاشية العلوية، واتحاد الجمعيات العلوية في تركيا، ومؤسسة حاجي بكتاش ولي للثقافة الأناضولية، وجمعية بير سلطان عبدال الثقافية، ومنظمة ديديف، اتحاد الجمعيات العلوية الأوروبية، والجمعيات الثقافية العلوية، وغيرها من المنظمات.. بيانات صحفية متزامنة في المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير وبورصة، بعضها مشترك والآخر منفرد، لفتت فيها إلى تنامي القلق داخل المجتمع العلوي في تركيا بشأن إمكانية انتشار الصراعات، ودعت إلى فتح ممرات المساعدات الإنسانية للمدنيين العلويين في سوريا وتقييم طلبات اللجوء الخاصة بهم.

تحركات لحزب الشعب الجمهوري: رغم محدودية تعاطي حزب المعارضة الرئيسي مع متغيرات الوضع السوري منذ سقوط الأسد، فإن الحزب أبدى اهتمامًا بوضع علويي سوريا وتفاعل مع أحداث الساحل السوري مطالبًا الحكومة التركية بضمان حقوق الأقلية العلوية وحمايتها؛ حيث تمت مناقشتها خلال اجتماعات الحزب، واتخذ خطوات لمتابعة الأزمة تضمنت إجراء أوزغور أوزال اتصال بمدير جهاز الاستخبارات الوطنية إبراهيم كالين، وإرسال وفد مكون من 10 نواب حاليين وسابقين عن الحزب إلى الحدود السورية في هاتاي لزيارة جميع المناطق التي يوجد فيها مواطنون مهتمون بالأحداث الجارية في سوريا وأقاربهم وإعداد تقرير شامل بشأن الموضوع.

إطلاق دعوات انفصالية: أطلق الشيخ سليم نارلي، رئيس طائفة العلويين في هاتاي، تصريحات تحمل دعوات انفصالية خلال أبريل الجاري، أعلن فيها بدء خطوات عملية لتأسيس كيان إداري علوي يتمتع بحكم ذاتي في الساحل السوري، وذلك في بيان أصدره باسم “العلويين في الساحل السوري”، وقال فيه: إن العلويين اتخذوا خطوة تاريخية بإعلان الإدارة الذاتية، معتبرًا أن هذه المبادرة تأتي ردًا على عقود من القمع ومحاولات الانصهار.

رفض زيارات الشرع لتركيا: أصدر اتحاد العلويين البكتاشيين بيانًا أعرب فيه عن استيائه من زيارة الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى أنقرة في فبراير الفائت، وطالب بطرده، متهمًا إياه بارتكاب مـجـازر بحق العلويين والمسيحيين والإيزيديين والأكراد وتهجيرهم في سوريا.

أخطار محتملة

ينطوي صمت أنقرة عن السياسات الطائفية المُعادية للأقلية العلوية في سوريا، وتصاعد النبرة المناهضة للعلوية بين المحافظين الأتراك وخصوصًا المنتمين لحزب العدالة والتنمية على أخطار منها:

تصاعد الخطاب الطائفي المُعادي للعلويين: فتح اشتباك العلويين الأتراك مع التطورات السياسية السورية الباب أمام إفصاح التيارات اليمينة المتطرفة التركية عن مشاعرهم المُعادية للعلويين الذين أخفوها لسنوات، إذ أصبح المواطنون والمثقفون العلويون والمنظمات العلوية هدفًا لحملات سلبية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت نبرة طائفية خاصةً من أشخاص معروفين بقربهم من حزب العدالة والتنمية من خلال استخدام مفاهيم مثل “العلوية السياسية” ووصفهم بالإرهابيين بهدف خلق تصور سلبي تجاه العلويين، واستدعاء تشبيهات تاريخية ذات مدلولات طائفية على غرار مقارنة دور حكومة العدالة والتنمية في هندسة المشهد السياسي السوري بالسلطان سليم الأول الذي أصدر فرمانات دينية بحق العلويين -بعد دخول العثمانيين إلى سوريا- اعتبرتهم خارجيين عن الإسلام الرسمي للدولة؛ مما مهّد الطريق لمذابح واسعة استهدفت وجودهم؛ الأمر الذي يُعزز خطاب الكراهية ويُفاقم حدة الاستقطاب على أسس طائفية، لا سيَّما أن المشاعر المُعادية للعلويين متجذرة في المجتمع التركي؛ حيث تعرضوا للمذابح والحرمان وسياسة الاستيعاب الممنهجة خلال فترات الإمبراطورية السلجوقية والإمبراطورية العثمانية، وحتى خلال مرحلة الدولة التركية الحديثة ويتعلق بذلك بتعريف الهوية التركية؛ إذ يُنظر للأخيرة باعتبارها تتطابق مع الإسلام السُني، بينما ينتمي العلويون لطائفة مختلفة ويتمتعون بالهويات العرقية الكردية والتركية وعدد قليل من الهويات العرقية العربية.

استهداف حزب الشعب الجمهوري على أُسس طائفية: دائًما ما تشهد مراحل الانتخابات التركية لجوء نظام العدالة والتنمية إلى خلق عدو ووصفه بالإرهابي، وقد لعب الأكراد هذا الدور لفترة زمنية طويلة، بيد أنه في ظل التوقعات بنجاح عملية الحل الجديدة وإقرار تفاهمات سياسية مع حزب المساواة الشعبية والديمقراطية، يبدو أن حزب الشعب الجمهوري سيُقدم في الخطاب الانتخابي لأردوغان وحزب العدالة والتنمية باعتباره العدو الجديد بدلًا من الحركة السياسية الكردية، وذلك في إطار سياسات الاستقطاب وشيطنة المعارضة التي تُشكل سمة أساسية لمراحل الانتخابات التركية، لكن هذه المرة وفق أُسس طائفية وليست عرقية، إذ سيؤطر الحزب باعتباره حزبًا طائفيًا علويًا؛ نظرًا لوجود علويين ضمن قاعدته حيث يميل بعض المنتمين إلى التيار الحاكم أو المقربين منهم إلى الحديث عن هيمنة علوية على حزب الشعب، وقد تعالت أصوات مؤخرًا تصف حزب الشعب بأنه بقايا الأسد في الداخل وتحذر من الخطر السياسي للعلوية تعالت خلال الآونة الأخيرة. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه رغم وجود علويين بين كوارد الحزب وإداراته الإقليمية فإن عدد النواب ذوي الأصل العلوي عن الحزب لا يتجاوز 10%.

تعزيز الشعور بالتمييز لدى العلويين: لا شك أن التلميحات السلبية ضد العلويين في خطابات المسئولين الأتراك تعليقًا على الأحداث السورية، واحتمالات انتقالها إلى الاستقطابات الانتخابية، سوف تُغذي مشاعر الحرمان والتهميش بين العلويين الذين يعتقدون أن الحكومة تمارس سياسات تميزية واستيعابية بحقهم وترفض الاعتراف بحقوقهم الدينية والثقافية كطائفة، وتتعزز تلك المعتقدان بالنظر إلى السياسات الإقصائية التي عانوا منها، إذ تم إبعاد الأشخاص ذوي الهوية الدينية العلوية من مناصب صنع القرار في العديد من المجالات، وخاصة في البيروقراطية الحكومية مثل المدارس والبلديات وأقسام الشرطة وغيرها، وأجبر بعضهم على التقاعد أو تم تعيينهم في وظائف غير نشطة؛ مما تسبب في ترك العديد منهم لوظائفهم، كما لم توفر الحكومة فرص عمل لرجال الأعمال العلويين.

إعادة تقييم ممثليهم السياسيين: لطالما شعر العلويون بالخزلان من حلفائهم السياسيين والاجتماعيين وفشل حزب الشعب الجمهوري في الوقوف علنًا ضد خطاب الكراهية الموجه لهم أو تقديم دعم حقيقي علني لحقوق العلويين وتمثيل مصالحهم سياسيًا أو تطوير معارضة سياسة جذابة لنموذج التدين الذي يتبناه حزب العدالة والتنمية، وربما يرجح ذلك لأسباب سياسية تتعلق بالخشية من التعرض لدعاية حكومية سلبية من أجل تشويه سمعة الحزب لدى الأغلبية السُنية والذين من بينتهم من ينتمي للأيديولوجية العلمانية الكمالية. ومع ذلك، واصل أغلبية المجتمع العلوي، بل وعزز في بعض الأحيان دعمه لحزب الشعب الجمهوري من أجل الحفاظ على العلمانية؛ نظرًا لمخاوفه من حزب العدالة والتنمية، ولم يؤخذ بعين الاعتبار الانتقادات اللاذعة التي وجهها العلويون المقربون من الحركة الكردية ضد الفكر الكمالي من قبل الغالبية العظمى من العلويين. 

غير أن أحداث الساحل السوري أحيت شعور التخلي لدى العلويين من قِبل المؤسسات التي يعتقدون أنهم يتشاركون معها على أرضية العلمانية والديمقراطية ويعتبرونها أقرب حلفائهم السياسيين والاجتماعيين. ومن بين الأحداث الرمزية التي أثارت خيبة أمل بين العلويين، اعتماد بعض وسائل الإعلام التي تمثل صوت العلمانيين واليساريين، مثل صحيفة “جمهوريت” و”سوزجو” و”بيرجون” و”خلق تي في” و”تي 24″، على نقل ترجمات حرفية من وسائل الإعلام الغربية تصوّر أحداث الساحل السوري على أنها “اشتباكات مع مليشيات الأسد”، حتى أن مسئولًا تنفيذيًا في إحدى المنظمات العلوية معروف بقربه من حزب الشعب الجمهوري، نشر في 8 مارس الفائت منشورًا على مواقع التواصل الاجتماعي، عكس استياء العلويين، حيث جاء فيه أن “الأحزاب التي يصوت لها العلويون صامتة اليوم. الصحف التي يشتركون فيها ويقرأونها لا تكتب اليوم. القنوات التي يشاهدها العلويون لا تتحدث اليوم”. ومع ذلك، يُتوقع أن يظل السلوك التصويتي للعلويين مائلًا لحزب الشعب الجمهوري على الأمد القصير بالنظر إلى المخاوف من حزب العدالة والتنمية، ومنطق “الشر الأقل”، غير أنه على الأمدين المتوسط والطويل يُمكن أن تدفع هذه الصدمة العلويين إلى إعادة التفكير في ممثليهم السياسيين على الخط العلماني القومي.

ختامًا، رغم أن استجابة العلويين في تركيا للانتهاكات التي تعرضت لها الأقلية العلوية في سوريا ظلت محدودة ولم ينشأ عنها اضطراب اجتماعي داخلي، فإنها تظل تحمل حساسيات بالنسبة للداخل التركي عند الأخذ في الاعتبار التجارب التاريخية والبنية الاجتماعية والسياسية للبلاد، وربما تحمل تداعيات سياسية على الأمد الطويل.

تم نسخ الرابط