عاجل

ما حكم إقامة صلاة الجمعة في الزوايا المتقاربة؟.. الإفتاء توضح

الجمعة
الجمعة

الأصل أن تُقام صلاة الجمعة في المسجد الجامع الذي يتسع للمصلين، فإذا ضاق عن استيعابهم أو كان الوصول إليه فيه مشقة لبُعد المسافة، جاز حينئذٍ أداؤها في الزوايا والمصليات، ولا حرج في ذلك، مع ضرورة الالتزام بالضوابط التي تضعها الجهات المختصة لتنظيم إقامة الجمعة في هذه الأماكن.


اختصاص الأمة المحمدية بصلاة الجمعة

صلاة الجمعة من أعظم العبادات التي خصّ الله بها الأمة المحمدية، وشرّفها بها، وجعلها من شعائرها الظاهرة. فقد أمر الله تعالى المؤمنين بالسعي إليها وترك ما يشغلهم عنها من تجارة أو عمل، فقال سبحانه:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الجمعة: 9].
وهذا التشريع يحمل في جوهره معنى الاجتماع والوحدة بين المسلمين. وقد بيَّن ابن بطال أن يوم الجمعة ادّخره الله تعالى لهذه الأمة، ففضّلها به على سائر الأمم.

مكان إقامة صلاة الجمعة

تثار مسألتان أساسيتان فيما يتعلق بمكان إقامة صلاة الجمعة:
1. حكم إقامتها في الزوايا والمصليات.
2. حكم تعددها في البلدة الواحدة.

1- صلاة الجمعة في الزوايا

اتفق جمهور الفقهاء على أن صحة الجمعة لا تتوقف على المسجد الجامع، بل تجوز في أي موضع تتوافر فيه شروطها، سواء في مسجد، أو ساحة، أو زاوية، أو فناء. فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “جَمِّعُوا حيثما كنتم”، مما يدل على أن مكانها ليس شرطًا فيه المسجدية.
وقد نصّ على ذلك جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة، مع اختلاف يسير بينهم في تفاصيل الضوابط:
• الحنفية: اشترطوا أن تكون في مصر تتوافر فيه مقومات الحياة العامة كالسوق والحاكم والعالم.
• الشافعية: اشترطوا أن تكون داخل حدود القرية أو البلدة، لا خارجها.
• الحنابلة: أجازوها في الصحراء إذا كانت قريبة من العمران.
أما المالكية، فخالفوا الجمهور واشترطوا أن تقام في المسجد الجامع المخصص للصلاة دون غيره.

والراجح هو مذهب الجمهور، إذ الآية الكريمة لم تقيّد النداء بالمسجد، بل جاء فيها مطلقًا: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾، كما أن إقامة أول جمعة خارج مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في “جواثى” بالبحرين، دليل واضح على جوازها في غير المسجد الجامع.

2- تعدد الجمعة في البلدة الواحدة

أجاز جمهور العلماء تعدد صلاة الجمعة في البلد الواحد عند الحاجة، خصوصًا إذا كان المسجد الجامع لا يسع الناس، أو يشقّ على كبار السن والمرضى أو أصحاب الأعمال أن يصلوا فيه. وهذا ما نصّ عليه كثير من الفقهاء، ومنهم من أجاز التعدد مطلقًا، ومنهم من قيّده بالحاجة.

وقد استقرّ عمل المسلمين عبر العصور على إقامة الجُمع في أماكن متعددة داخل البلد الواحد دون إنكار من أحد، حتى عُدّ ذلك إجماعًا عمليًا. قال ابن نُجيم: “يصح أداء الجمعة في مصر واحد بمواضع كثيرة، وهو قول أبي حنيفة ومحمد، وهو الأصح؛ لدفع الحرج عن الناس”. وذكر ابن قدامة أن ذلك صار إجماعًا في الأمصار الكبيرة.

أما القول بمنع التعدد فقد كان مرتبطًا بالخوف من تفرق كلمة المسلمين في زمن الخلفاء، وهو معنى لم يعد قائمًا اليوم، بل إن المنع يؤدي إلى مشقة عظيمة على الناس، والله تعالى يقول: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78].

تم نسخ الرابط