هل حفظ القرآن الكريم فرض على كل مسلم .. وثواب حافظه؟

القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد، ومعجزة الإسلام الباقية، الذي تكفّل الله بحفظه لفظًا ومعنى. ويتجدد السؤال: هل يجب على كل مسلم أن يحفظ القرآن كاملًا عن ظهر قلب، أم أن الحفظ تكليف جماعي يكفي أن يقوم به بعض المسلمين؟
حكم حفظ القرآن الكريم
إنَّ حفظ كتاب الله عز وجل من أعظم القربات وأشرف الطاعات، وقد اتفق العلماء على أن حفظ القرآن واجبٌ كفائي على المسلمين في كل بلدة وقرية، حتى يبقى القرآن الكريم محفوظًا في صدورهم جيلاً بعد جيل. وهو واجب عينيّ على كل مسلم بما يتوقف عليه أداء الصلاة من السور والآيات. ومن القواعد الشرعية المقررة أن “الوسائل تأخذ حكم المقاصد”، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإذا ضاق الأمر اتسع.
ولما كان من مقاصد الشريعة التيسير في حفظ القرآن الكريم، فقد قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]. قال الإمام الرازي في تفسيره، ط. دار إحياء التراث العربي): “فيه وجوه؛ الأول: أنه يسير للحفظ، فيمكن حفظه ويُسهل على اللسان، ولم يكن كتابٌ من كتب الله يُحفظ على ظهر القلب سوى القرآن، وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي: هل من حافظ له؟” انتهى.
وقال الإمام القرطبي في تفسيره : “أي سهَّلناه للحفظ ويسرناه، وأعنَّا عليه مَن أراد حفظه، فهل من طالب لذلك فيُعان عليه؟.. وقال سعيد بن جبير: لم يكن من كتب الله كتاب يُقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن” انتهى.
فإذا كان الله تعالى قد يسَّر حفظ كتابه، فإن ذلك يستلزم تيسير الوسائل التي تُحقق هذه الغاية المباركة. والمسلمون مكلَّفون بما في قدرتهم واستطاعتهم، ولا يحمّلهم الشرع ما يفوق طاقتهم، كما قال سبحانه: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال أيضًا: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7]. وجاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذا أَمرتكُم بِأَمْرٍ فائتوا منه ما استطعتم» رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فضل حافظ القرآن الكريم
لقد رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكانة حامل القرآن ومعلمه، وجعلهم في أعلى مراتب الأمة، حيث قال: «خَيْرُكُمْ -وفي رواية: إِنَّ أَفْضَلَكُمْ- مَنْ تَعَلَّمَ القُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» رواه البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال الإمام ابن بطال في “شرح صحيح البخاري”: “حديث عثمان يدل على أن قراءة القرآن هي أفضل أعمال البر كلها؛ لأنه لما كان مَن تعلَّم القرآن أو علَّمه أفضلَ الناس وخيرَهم، دلَّ ذلك على علو شأن القرآن، وأن الفضل إنما ثبت له من أجله، كما أن ثواب التعليم يجري عليه ما دام مَن علَّمه يتلو القرآن” انتهى.
وبيَّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم منزلة حافظ القرآن عند الله تعالى، فقال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ» رواه البخاري عن السيدة عائشة رضي الله عنها.
بل ورد أن حافظ القرآن لا تمسه النار؛ فقد روى الإمام أحمد في “مسنده” والدارمي في “سننه” عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي إِهَابٍ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ». قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: “قوله: في إهاب، أي في قلب رجل، وهذا يُرجى أن يكون حافظ القرآن في مأمن من النار”، كما نقله ابن مفلح في “الآداب الشرعية” .