عاجل

ما حكم استغاثة الحي بالميت .. وهل تعد من البدع؟ الإفتاء توصح

الميت
الميت

الاستغاثة بالأنبياء والأولياء بعد وفاتهم ليست طلبًا من العدم، بل هي توجه إلى أرواح أكرمها الله بحياة برزخية خاصة، منحها من القدرة والتصرف ما يشاء سبحانه وتعالى. وقدرة الله لا يحدها حد، فهو يُقْدِر مَن يشاء من عباده على ما يشاء من خوارق العادات. ومن ثم لا يُقال: إن الاستغاثة بالميت شرك؛ لأنها طلب ما لا يقدر عليه إلا الله، إذ يلزم من ذلك أن يكون كل طلبٍ من أي مخلوق شركًا، وهذا باطل بالضرورة؛ لأن المخلوق لا يقدر على شيء بنفسه استقلالًا، وإنما يقدر بإقدار الله تعالى، سواء أكان ذلك من الأمور الجارية على العادة أم من خوارقها. فالشرك إنما يكون في اعتقاد قدرةٍ ذاتيةٍ مستقلة للمخلوق، وهذا غير موجود عند من يستغيث بالصالحين.

ومن هنا، فإن صحة الاستغاثة بالمخلوق –حيًّا كان أو ميتًا– مبناها على أن تكون من باب التسبب لا من باب الخلق والإيجاد. فإذا كان الغوث مما يدخل في قدرة البشر عادة، جاز طلبه بلا إشكال. أما إذا كان من قبيل خوارق العادات، فإن الأمر مرده إلى حسن الظن بأن الله تعالى أقدَرَ هذا العبد الصالح على ذلك، وهو أمر ممكن في العقل والشرع، ولا صلة له بالشرك بحال.

وقد دلّت النصوص الكثيرة على بقاء كرامات الأولياء بعد وفاتهم، ومن أبرز الشواهد:


• ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن كفار قريش لما أرادوا أن يأخذوا شيئًا من جسد عاصم بن ثابت رضي الله عنه بعد قتله، بعث الله له مثل الغمامة من الدَّبْر (النحل والزنابير) فحَمَتْه بعد موته، فلم يقدروا أن يمسّوه، وهذه كرامة صريحة بعد الوفاة.
• وما رواه الطبراني في الأوسط، وابن أبي الدنيا في من عاش بعد الموت، والبيهقي في دلائل النبوة، من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ الْمَوْتِ»، وهو دليل على إمكان وقوع خوارق عادات للميت بعد وفاته.
• ومن ذلك ما وقع لزيد بن خارجة الأنصاري رضي الله عنه زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث تكلّم بعد وفاته بكلامٍ شهده الناس، أثنى فيه على الخلفاء الثلاثة، وجاءت الرواية صحيحة ثابتة كما أكد الحافظ البيهقي.
• وكذلك ما رواه ربعي بن حراش: أنه كان عند رأس أخيه بعد وفاته يستغفر له، فإذا به يكشف عن وجهه ويُسَلِّم عليه ويخبره بما لقي عند الله من رحمة ونعيم، وأنه استأذن ربه في أن يبشّر أهله، وهذه الرواية إسنادها صحيح كما نص البيهقي.

وقد نصّ العلماء على أن بركة الميت قد تنفع الحي، كما قال ابن القيم في الروح: إن الأرواح قد تلتقي، فيرى الحي الميت في منامه فيستفهمه، فيخبره بما يوافق الواقع من أمورٍ ماضية أو مستقبلة، أو بما أخفاه في حياته من أموال وديون لا يعلمها أحد غيره، بل وربما أخبره بوقت وفاته فيكون كما قال. وهذه شواهد على أن للأموات من الكرامات والآثار ما هو ثابت لا ينكر.

فالمحصلة أن الاستغاثة بالأولياء بعد وفاتهم لا علاقة لها بالشرك، ما دام الاعتقاد أنها بأمر الله وإقداره، لا باستقلال المخلوق بنفسه. وإنما هي من باب طلب الدعاء أو الغوث ممن أكرمه الله بالكرامة والقدرة، حيًّا كان أو ميتًا، والله على كل شيء قدير.

تم نسخ الرابط