صباح الخير أم السلام عليكم.. ما حكم إلقاء التحية على غير المسلمين؟

هل يجوز قول السلام عليكم لغير المسلم؟، سؤال أجابته الدكتورة روحية مصطفى أستاذ ورئيس قسم الفقه الأسبق، وعضو محكم في اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة بجامعة الأزهر.
هل يجوز قول السلام عليكم لغير المسلم؟
وقالت تحت عنوان: “تحية الإسلام على أهل الكتاب”: مسألة إلقاء التحية على غير المسلمين – سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم – من المسائل التي شغلت أهل العلم حديثًا أكثر مما شغلتهم قديمًا، بل لا أبالغ إن قلت إنها كثيرًا ما تُستغل لإشعال نار الفتنة في المجتمع الذي يضم مسلمين وأهل كتاب، وكأن مشاكلنا تنحصر في: هل أقول لهم: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" أم أقول: "صباح الخير" أو "مرحبًا" أو غيرها؟
وتابعت: قد تناسينا أمرًا في غاية الأهمية، وهو أن رسولنا الكريم ﷺ وقف لجنازة يهودي وقال: «أليست نفسًا؟» (رواه البخاري ومسلم). سبحان الله! أليس الفعل في ميزان الشريعة أبلغ من القول؟ خاصة إذا كان صادرًا عن من لا ينطق عن الهوى ﷺ.
وأضافت: الإسلام دين تسامح وبر ورحمة. ألم يقل رسول الله ﷺ في مُخيريق اليهودي الذي خرج مع النبي ﷺ يقاتل معه في أحد، وقد ترك وصية بأن ماله بعد موته للنبي ﷺ يضعه حيث أراه الله تعالى، فلما مات وآلت أمواله إلى المسلمين قال رسول الله ﷺ: «مُخيريق خير يهود» (السيرة النبوية لابن هشام). فمع كونه غير مسلم، لم يبخس النبي ﷺ حقه في الدنيا، فشهد له بالخيرية، أما حساب الآخرة فبينه وبين الله تعالى.
ولذا أقول: ليس من المنطق أننا إذا دخلنا مكانًا نسأل الموجودين فيه: هل أنتم مسلمون حتى نلقي عليكم تحية الإسلام؟! بل في هذه الحالة يُلقي المسلم التحية دون استفصال. أما إذا دخل المسلم مكانًا يعلم أن فيه خليطًا من المسلمين وغير المسلمين، فمن السنة أيضًا أن يلقي تحية الإسلام على الجميع، فقد مرّ النبي ﷺ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود، فسلم عليهم (متفق عليه).
ونبهت: إن كان المجلس يضم أهل كتاب فقط، فالراجح عندي – من خلاف أهل العلم – هو جواز إلقاء التحية عليهم، سواء بتحية الإسلام أو بغيرها كقول: "صباح الخير" أو "مساء الخير". بل أرى أن تحية الإسلام أولى وأفضل؛ فهي تعرّفهم بسماحة هذا الدين وخلقه. وكيف ندعو الناس إلى الإسلام دون أن تكون تحيتنا "السلام"؟ فالله تعالى هو السلام ومنه السلام، بل أرى وجوب الابتداء بالسلام ورده، لأنه تعبير عن الدعوة التي نحملها للناس وأنها تدعو إلى كل خير، ويزداد الأمر تأكيدًا حين يكون الكتابي شريكًا لك في الوطن، أو جارًا، أو قريبًا، أو زميل عمل أو دراسة، أو صديقًا، فصداقة أهل الكتاب غير ممنوعة شرعًا، وليست من الولاء المنهي عنه، لأننا غالبًا نصادق من يحمل أخلاقًا يدعو إليها الإسلام كالأمانة والصدق وحسن الخلق، وتتأكد مشروعية الابتداء بتحية الإسلام لأهل الكتاب إذا كان المسلم يعيش في بلاد الغرب؛ لأن في ذلك نقلًا لثقافة الإسلام وتعريفًا بمبادئه السمحة، وإظهارًا لسماحة هذا الدين وأخلاقه، ودعوةً عملية إلى التعارف والتعايش الحسن. فتحية الإسلام شعار المسلمين ودعوتهم إلى السلام، وإلقاؤها على غير المسلمين في هذه المجتمعات يُعد من وسائل الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
حكم قول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته لغير المسلم
بهذا قال ابن عباس، وابن مسعود، وأبو أمامة، وعمر بن عبد العزيز، وسفيان بن عيينة، والشعبي، والأوزاعي رضي الله عنهم ، ورجح هذا القول السيد رشيد رضا في تفسير المنار، والشيخ الشنقيطي في أضواء البيان، وحكاه الماوردي وجهًا للشافعية. وعليه يجوز أن نقول لهم تحية الإسلام كاملة: «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وتكون الرحمة بمعنى الهداية.
ولو قال الكتابي: "السلام عليك"، فالذي تقتضيه الأدلة الشرعية وقواعد الشريعة أن يُقال له: "وعليكم السلام"، لأن ذلك من باب العدل والإحسان. قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: 86].
وعن أسد بن وداعة أنه كان يخرج من منزله فلا يلقى يهوديًا ولا نصرانيًا إلا سلم عليه، فقيل له: ما شأنك تسلم على اليهودي والنصراني؟ فقال: إن الله تعالى يقول: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، والسلام من أحسن الكلام.
وقد يقول قائل: نهى رسول الله ﷺ عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام. فأقول: إن نهي رسول الله ﷺ عن ابتداء اليهود بالسلام كان في سياق وجود حالة حرب بينهم وبين المسلمين. وقد ثبت أن رسول الله ﷺ قال لأصحابه ليلة الخروج إلى بني قريظة: " إني راكب غدًا إلى اليهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم» (رواه ابن ماجه بإسناد صحيح).
أو أن النهي كان لأنهم كانوا يستغلون سلام المسلمين فيردون بعبارات سيئة، فيقولون: "السام عليكم" (أي الموت عليكم). لذلك أمر المسلم إذا سلّم عليه يهودي بمثل ذلك أن يقول: "وعليكم"، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رهط من اليهود على النبي ﷺ فقالوا: "السام عليك"، فقال ﷺ: «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم» (البخاري ومسلم).
وطالما انتفت العلة (العداء، أو رد السلام بسبّ)، فلا مانع من البدء بتحية الإسلام عليهم.
وشددت على أنه يجوز إلقاء السلام على أهل الكتاب وغيرهم، وقد فعله ابن مسعود وقال: إنه حق الصحبة. وكان أبو أمامة لا يمر بمسلم ولا كافر إلا سلّم عليه، فقيل له: في ذلك؟ فقال: «أُمِرنا أن نفشي السلام». وبمثله كان يفعل أبو الدرداء رضي الله عنه. وكتب ابن عباس لرجل من أهل الكتاب: "السلام عليك". وكان عمر بن عبد العزيز يقول: لا بأس أن نبدأهم بالسلام. وسُئل الأوزاعي عن مسلم مر بغير مسلم فسلّم عليه، فقال: إن سلمت فقد سلم الصالحون قبلك.