إعلان الفائزين بالمشروع الوطني للقراءة
رئيس قطاع المعاهد: التقت حضارتي الفراعنة والإسلام على قاعدة الأمم تنهض بالعلم

وجه رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، الشيخ أيمن عبد الغني، كلمة في حفل إعلان الفائزين بالمشروع الوطني للقراءة.
إعلان الفائزين بالمشروع الوطني للقراءة
وقال رئيس قطاع المعاهد الأزهرية ما يلي: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ السَّلامِ على سيِّدِنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ.
السَّادةُ الوزراءُ، والسَّادةُ الحضورُ الكرامُ…
إنَّهُ لَشرفٌ عظيمٌ أن نقفَ اليومَ في رحابِ هذا المتحفِ المصريِّ العريقِ، الذي لا يُجسِّدُ آثارًا جامدةً ولا معروضاتٍ صامتةً، بل يُجسِّدُ روحَ مصرَ، وتاريخَها الممتدَّ آلافَ السنينِ، ورسالتَها الحضاريَّةَ التي لم تنقطعْ يومًا.
فكلُّ قطعةٍ أثريَّةٍ هنا تروي حكايةَ علمٍ، وكلُّ برديَّةٍ تحفظُ درسًا خالدًا في طلبِ المعرفةِ، وكلُّ جداريةٍ تنطقُ بالحكمةِ لتقولَ لنا: إنَّ مصرَ لم تُبنَ على القوَّةِ وحدَها، بل شُيِّدتْ على العِلمِ، والعقلِ، والإيمانِ.
لقدْ أيقنَ المصريُّ القديمُ أنَّ العلمَ هو السِّرُّ الأعظمُ للخلودِ، فخلَّد أسماءَ الكَتَبَةِ والمعلِّمينَ إلى جوارِ الملوكِ والمحاربينَ، وأعلَى شأنَ القلمِ، وعدَّه أقدسَ من السَّيفِ، وكانوا يقولونَ: «إنَّ الكلمةَ أخلدُ من الحجرِ»، و«إنَّ الكتابَ ميراثُ الأبدِ».
وجاء الإسلامُ ليزيدَ هذه القيمَ إشراقًا، فافتتحَ الوحيُ بكلمةِ: ﴿ٱقْرَأ﴾، وجعل طلبَ العلمِ فريضةً على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، ورفعَ اللهُ مكانةَ العلماءِ فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ}.
وهكذا التقت حضارةُ الفراعنةِ بحضارةِ الإسلام على قاعدةٍ واحدةٍ، هي أنَّ الأممَ لا تنهضُ إلَّا بالعلمِ.
أيُّها الحضورُ الكرامُ…
إنَّ اجتماعَنا اليومَ في المتحفِ المصريِّ هو رسالةٌ بليغةٌ لأبنائنا: أنَّهم وارثونَ لتاريخٍ عريقٍ، ومسؤولونَ عن صناعةِ مستقبلٍ مشرقٍ. فمصرُ التي ابتكرتِ الكتابةَ، وبرعتْ في الطبِّ والهندسةِ والفلكِ، وأسَّستْ أولى المدارسِ والجامعاتِ، هي ذاتُها مصرُ التي أشرقتْ بأنوارِ الأزهر الشريفِ قرونًا متطاولةً، تنشرُ العلمَ، وتُخرِّجُ العلماءَ، وتحفظُ الهُويَّةَ، وتُواكبُ العصرَ.
وقد سجَّلتْ معاهد الأزهر في مشاركتها العامِ الماضي بالمشروع الوطني للقراءة في موسمها الرابع أكثرَ من مليونٍ ومائةٍ وأربعةٍ وعشرينَ ألفَ طالبٍ وطالبةٍ، موزَّعينَ على أكثرَ من تسعةِ آلافٍ ومِئةٍ وسبعةٍ وثمانينَ معهدًا.
وهذا الرقمُ ليس مجرَّدَ إحصاءٍ، بل هو شاهدٌ حيٌّ على أنَّ مصرَ ما زالتْ وفيَّةً لرسالتِها الخالدةِ، وأنَّ أبناءَها ما زالوا يحملونَ القلمَ بيدٍ، ويصنعونَ المجدَ باليدِ الأخرى.
ومن هذا المنطلقِ يجيءُ المشروعُ الوطنيُّ للقراءة، وهو مشروعٌ ثقافيٌّ تنافسيٌّ مستدامٌ، يهدفُ إلى توجيهِ أطفالِ مصرَ وشبابِها لمواصلةِ القراءةِ الوظيفيَّةِ الإبداعيَّةِ الناقدةِ، التي تمكِّنُهم من تحصيلِ المعرفةِ وتطبيقِها وإنتاجِ الجديدِ منها، وصولًا إلى مجتمعٍ يتعلَّمُ ويفكِّرُ ويبتكرُ.
وهو بذلك يتَّسقُ تمامًا مع رؤيةِ مصرَ 2030، ويتوافقُ مع أجندةِ وزاراتِ التربيةِ والتعليمِ، والتعليمِ العالي، والبحثِ العلمي، والثقافةِ، والتضامنِ الاجتماعي، والشبابِ والرياضةِ، فضلًا عن انسجامِه العميقِ مع رؤيةِ الأزهرِ الشريفِ ورسالتِه الحضاريَّةِ.
ولا يفوتُنا هنا أن نتوجَّهَ بخالصِ الشكرِ والتقديرِ إلى سعادةِ الأستاذةِ نجلاء علي الشامسي، رئيسِ مؤسسةِ البحثِ العلمي، والأمينِ العامِّ للمشروعِ الوطنيِّ للقراءةِ، على جهودِها المخلصةِ ودعمِها المتواصلِ لهذا المشروعِ الرائدِ، الذي أصبحَ علامةً بارزةً في مسيرةِ الثقافةِ المصريَّةِ والعربيَّةِ.
الحضورُ الكرامُ…
ولعلَّ الأرقامَ خيرُ شاهدٍ على حجمِ الإنجازِ: فقد بلغ عددُ المكتباتِ المشاركةِ في المشروعِ ستةَ آلافِ مكتبةٍ، وأضيفَ إليها مئتانِ وخمسونَ مكتبةً جديدةً.
وارتفع رصيدُ أوعيةِ المعلوماتِ إلى نحو سبعمائةٍ وخمسينَ ألفَ كتابٍ، بينها خمسةَ عشرَ ألفَ كتابٍ جديدٍ.
كما نُظِّمت خمسٌ وأربعونَ زيارةَ متابعةٍ، ومئةٌ وخمسونَ ورشةً تدريبيةً للمحكَّمينَ، وأكثرَ من ألفٍ وخمسمائةِ فعاليةٍ ثقافيةٍ متنوِّعةٍ، إضافةً إلى لقاءاتٍ تعريفيةٍ وتثقيفيةٍ للطلابِ والمعلمينَ والمنسقينَ.
السَّادةُ الحضورُ…
إنَّ هذه الجهودَ المباركةَ لم تكنْ إلَّا خطواتٍ راسخةً على طريقٍ طويلٍ نؤمنُ جميعًا بأهميتِه، طريقٍ يهدفُ إلى أن تكونَ مكتباتُنا مناراتٍ إشعاعٍ فكريٍّ وحضاريٍّ، تسهمُ في تكوينِ شخصيةٍ مصريةٍ أصيلةٍ، مؤمنةٍ بهويَّتِها، منفتحةٍ على العالمِ، قادرةٍ على الإبداعِ والابتكارِ.
وفي الختامِ…
نسألُ اللهَ تعالى أن يحفظَ مصرَ، ويباركَ في أبنائِها، ويجعلَ من عِلمِها سراجًا مضيئًا، ومن حضارتِها رسالةً خالدةً، ومن حاضرِها ومستقبلِها مصدرَ فخرٍ واعتزازٍ لكلِّ الأجيالِ، ومِن أَزهَرها منارةُ إشعاعٍ للعلم والمعرفة.
والسَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه