حكم كفالة مجهولي النسب ونسبهم إلى الكافل.. دار الإفتاء توضح

تتكرر التساؤلات في المجتمعات الإسلامية حول حكم كفالة مجهولي النسب، خاصة مع ازدياد حالات الأطفال فاقدي الرعاية الأسرية، سواء نتيجة الحروب أو الأزمات الاجتماعية أو غيرها من الظروف القاسية. ويُعد هذا السؤال من القضايا الإنسانية التي تتطلب بيانًا شرعيًّا دقيقًا يوازن بين مقاصد الشريعة في حفظ الأنساب، وبين ضرورة توفير الرعاية الكريمة لهؤلاء الأطفال. وقد أجابت دار الإفتاء المصرية عن حكم كفالة مجهولي النسب بما يوضح الأحكام الشرعية المتعلّقة بالتبني، والفرق بينه وبين الكفالة الجائزة، كما بيَّنت ضوابط إضافة لقب الكافل إلى اسم الطفل المكفول، بما يضمن تحقيق المصلحة دون مخالفة للشرع. ويأتي هذا البيان في سياق تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الكفالة، ورفع اللبس عن حكم كفالة مجهولي النسب، بما يحفظ كرامة الطفل ويصون الأحكام الشرعية.
أكدت دار الإفتاء المصرية جواز إضافة لقب عائلة الكافل إلى اسم الطفل مجهول النسب أو اليتيم، موضحةً أن ذلك لا يُعد من التبني المحرم شرعًا، طالما لم يتم الادعاء بأن الطفل هو ابن صُلبي للكافل، ولم يتم تغيير نسبه الأصلي إن كان معلومًا. وأشارت الدار إلى أن هذا الإجراء يدخل في إطار الولاء الشرعي الجائز، وليس في نطاق التبني الذي أبطله الإسلام وحرّمه.
الإسلام يحث على كفالة الأيتام ورعايتهم
وأوضحت دار الإفتاء أن الإسلام قد عظَّم من شأن كفالة اليتيم، وجعل كافله في أعلى مراتب الجنة، مستشهدة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
«أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى. كما ورد في حديث آخر:
«من ضمَّ يتيمًا إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه، وجبت له الجنة ألبتة».
وأكدت الدار أن كفالة اليتيم ومجهول النسب من أعظم القربات، لما فيها من الرحمة، ورعاية المحتاجين، وتقديم يد العون للضعفاء، خاصة في ظل التحديات الاجتماعية والنفسية التي تواجه هؤلاء الأطفال.
التبني المحرم.. وحرمة تغيير الأنساب
وفيما يتعلق بالتبني، أوضحت دار الإفتاء أن الإسلام حرم التبني الصريح الذي يقتضي إلحاق الإنسان بغير نسبه الحقيقي، لما يترتب عليه من أحكام شرعية خاطئة مثل الميراث، والخلوة، والمحرمية، وغيرها.
واستشهدت بقول الله تعالى:
﴿وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم... ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله﴾ [الأحزاب: 4-5]، مؤكدةً أن التبني بمعناه المحرم يشمل نسبة الطفل إلى غير أبيه على وجه يترتب عليه أحكام النسب الشرعية.
إضافة اللقب.. جائزة بضوابط
وفي ردّها المفصَّل، أكدت دار الإفتاء أن إضافة لقب الكافل إلى اسم الطفل – سواء كان الكافل رجلًا أو امرأة – جائزة شرعًا، بشرط عدم الإيهام أو الإدعاء بأن الطفل هو ابن بيولوجي للكافل. وبيّنت أن هذه الإضافة لا تندرج تحت التحريم؛ لأنها لا تمس نسب الطفل إن كان معلومًا، ولا يُقصَد بها النسب، وإنما مظهر من مظاهر الانتماء والرعاية التي يحتاجها الطفل نفسيًّا واجتماعيًّا.
كما أكدت الدار أن هذه الممارسة تدخل تحت مفهوم "الولاء"، الذي عُرف قديمًا في القبائل العربية، والذي لا يترتب عليه الأحكام الخاصة بالنسب من الميراث أو المحرمية، بل يكون مجرد رابط اجتماعي يُعزز إحساس الطفل بالانتماء والكرامة.
واعتبرت دار الإفتاء أن مراعاة مصلحة الطفل الفضلى هي أساس الإباحة في هذا النوع من الإضافة، لما في ذلك من تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي للطفل المكفول، خاصة في مراحل التعليم والتعاملات الرسمية التي تتطلب اسمًا عائليًا واضحًا.
خلصت دار الإفتاء إلى أن كفالة الأطفال المجهولين النسب من أعظم القربات في الإسلام، وأنه يجوز شرعًا إضافة لقب الكافل إلى اسم المكفول بشرط عدم الادعاء البنوي الصريح أو تغيير النسب الحقيقي إن وُجد. وشددت على ضرورة التفريق بين التبني المحرم والإضافة المشروعة التي تُحقق مصلحة الطفل دون مخالفة للضوابط الشرعية.