أصلي في الحرم.. هل أنظر إلى الكعبة أم موضع السجود؟

تُمثِّل الكعبة المشرفة قِبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، ويُعدّ الوقوف أمامها في الصلاة من أعظم المشاهد الروحانية التي تعزز الخشوع والسكينة في قلب المؤمن. وبين جلال المكان وهيبة الموقف، تتعدد الأسئلة حول ما ينبغي فعله أثناء الصلاة داخل المسجد الحرام، خاصةً ما يتعلق بمكان النظر: هل يُفضل تثبيت النظر على الكعبة نفسها، أم أن السنة تقتضي النظر إلى موضع السجود كما هو شائع؟ سؤال تتجدد إثارته بين زوار البيت الحرام، وتتباين فيه آراء الفقهاء، مما يدفع الكثيرين للبحث عن التوجيه الشرعي الصحيح الذي يوافق السنة ويُحقق الطمأنينة في الصلاة.
هل أنظر إلى الكعبة أم موضع السجود؟
أكدت دار الإفتاء المصرية أنه لا مانع شرعًا من أن ينظر المصلي إلى الكعبة أثناء صلاته داخل المسجد الحرام، إذا كان مواجهًا لها، مشيرة إلى أن هذه المسألة خلافية بين الفقهاء، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن السنة في الصلاة أن يكون النظر إلى موضع السجود، بينما ذهب المالكية إلى أن النظر أمام المصلي –وبالتالي إلى الكعبة عند الصلاة في المسجد الحرام– هو الأولى.
جاء ذلك في بيان علمي صادر عن دار الإفتاء ردًّا على سؤال ورد إليها مفاده: قال أحد الشيوخ داخل بيت الله الحرام: إنه أثناء الصلاة يجب النظر إلى الكعبة المشرفة، في حين أنني أعرف أن النظر أثناء الصلاة يكون إلى موضع السجود.. فما الحكم الشرعي في ذلك؟

أوضحت دار الإفتاء أن المسألة خلافية بين المذاهب، وكلا الرأيين له مستنده الشرعي، ولا يُخطئ أحد الرأيين الآخر، مشيرة إلى أن محل الخلاف تحديدًا هو مكان نظر المصلي أثناء القيام، فذهب المالكية إلى أن المصلي ينظر أمامه دون أن يُخفض رأسه، وإذا كان يُصلي في المسجد الحرام فإن نظره يقع مباشرة على الكعبة، وهو أمر لا حرج فيه.
أما جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعية والحنفية والحنابلة، فقد رأوا أن النظر إلى موضع السجود هو الأكمل والأفضل، لأنه أدعى للخشوع والتواضع، ولأنه مروي عن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه.
استند المالكية إلى ظاهر قول الله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ [البقرة: 144]، مستدلين بأن المصلي مأمور باستقبال الكعبة بعينه ما دام قادرًا على رؤيتها، ولا يُطلب منه الانحناء حتى ينظر إلى موضع سجوده، لأن ذلك يُنافي كمال القيام في الصلاة.
أما الجمهور، فاستدلوا بآثار عن الصحابة، منها ما رواه شريك القاضي وغيره، بأن النظر إلى موضع السجود فيه زيادة في الخشوع وأدعى للتواضع، وقد قالوا إن في الركوع ينظر المصلي إلى موضع قدميه، وفي السجود إلى موضع أنفه، وفي الجلوس إلى حجره.
من نظر إلى الكعبة أو إلى موضع السجود كلاهما على خير
وبناء على ما تقدم، أكدت دار الإفتاء أن من نظر إلى الكعبة أثناء صلاته داخل المسجد الحرام فهو متبع لمذهب معتبر وله أصل في الشريعة، ومن نظر إلى موضع سجوده فهو كذلك على خير، وقد وافق رأي جمهور العلماء، مشددة على أن كلا الرأيين صحيحان، ولا يصح الإنكار على من يأخذ بأحدهما، خاصة في مثل هذه المسائل الفرعية التي وسع فيها الشرع الخلاف.
قالت دار الإفتاء في ختام بيانها: "إن ما وقع من أحد المشايخ داخل المسجد الحرام حين قال إن النظر إلى الكعبة واجب أثناء الصلاة، هو قول له أصل في مذهب المالكية، لكنه لا يُعد ملزمًا على سبيل الوجوب لجميع المصلين، لأن الجمهور على خلافه، ولا إنكار في مسائل الخلاف، ومن نظر أمامه فرأى الكعبة، أو نظر إلى موضع سجوده، فكلاهما على صواب، وينبغي أن يُقدَّر الخلاف ولا يُشنع به".