البقية في حياتك.. هل توجد صيغة معينة لتعزية أهل الميت في الإسلام؟

من مظاهر الأخلاق الحسنة التي حضَّ عليها الشرع الشريف: تعزية أهل الميت وتقديم المواساة لهم، لما في ذلك من التخفيف عنهم، وتثبيتهم على الصبر والرضا بقضاء الله تعالى.
قالت دار الإفتاء إنه وقد وردت في السنة النبوية صيغٌ مأثورة للتعزية، يُستحب أن يُؤتى بها، ولكن الأمر فيه سَعة، ولا يشترط التقيد بصيغة محددة، بل تصح التعزية بكل لفظ حسن يحقق المقصود من التسلية والتثبيت، والدعاء للميت وأهله.
تعزية أهل الميت
التعزية مصدرها "عزا يعزي"، وهي بمعنى التصبير والتثبيت على المصيبة، والعزاء: الصبر.
قال الإمام الفيومي:
"عزيته تعزية؛ أي: قلت له: أحسن الله عزاءك، أي رزقك الصبر الحسن، والعزاء هو الصبر".
وقد ثبت في الشرع استحباب التعزية ووُعِد المعزِّي بالأجر الكبير؛
فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ»
رواه الترمذي وابن ماجه.
حكم قول البقية في حياتك في العزاء
تحدث الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، حول مقولة "البقية في حياتك" التي يقولها كثير من المصرين في العزاء، فيقول الورداني إن البقية في حياتك تعني أن الحياة ممتدة، فنقولها لمن فقد عزيزًا عليه أن الحياة ممتدة، أي استمر لأن الحياة باقية، وهو عمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حسبما يقول الورداني.
والرسالة التي يرغب في توصيلها من يقول ذلك هو أن الحياة ممتدة وأن التمسك بحب الحياة عبادة، فلو استمر بالعمل الصالح يجعل الحياة ممتدة ويكون بذلك يحقق مراد الله منه، فاستمرار العمل الصالح يكون امتداد بينه وبين من يحب، "لذا كان المسلمين جميعا تكون مقابرهم في وسط المدينة لأنهم يعرفون ان احبابهم انتقلوا لحياة اخرى وبينهم صلة تتمثل في الهدايا التي يرسلونها إليهم"، يقول الورداني ان هذه من سمات حياة المصريين أنهم يحبون الحياة، فيواسونه بأن يتمسك بحب الحياة، وان من فقد لم يصبح عدمًا بل له حياة أخرى، وهناك استمرار للحياة بينه وبين من فقد، "بس في ناس مش عاوزين يفهموا دا..بيضعوا العادات المتصلة بحب الله ورسوله وسنته فيفسروها تفسيرا يجعل الناس في حيرة وقلق"، يقول الورداني ان نستمر في قول البقية في حياتك ونجدد عبادة حب الحياة

هل توجد صيغة معينة لتعزية أهل الميت؟
الصحيح أن لا صيغة محددة للتعزية في الإسلام، بل كل ما يحقق معناها ويؤدي غرضها من التخفيف والدعاء، يُجزئ ويُقبل. وهذا ما نص عليه علماء المذاهب الأربعة:
قال الإمام الشافعي:
"ليس في التعزية شيء مؤقت يقال لا يعدى إلى غيره".
[الأم، 1/317]
وقال الطحطاوي الحنفي:
"لا حجر في لفظ التعزية".
[حاشية مراقي الفلاح، ص 618]
وقال الحطاب المالكي:
"وكل واسع بقدر ما يحضر الرجل وبقدر منطقه".
[مواهب الجليل، 2/229]
وقال ابن قدامة الحنبلي:
"ولا نعلم في التعزية شيئًا محدودًا".
[المغني، 2/405]
صيغ مأثورة من السنة النبوية
مع هذا التوسيع، إلا أن الأفضل هو استخدام الصيغ الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لما فيها من تمام المعنى وحسن الأدب:
كما في الصحيحين عن أسامة بن زيد:
أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لابنته:
«إِنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ، وَلَهُ مَا أَعْطَى، وَكُلٌّ عِندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِرْ، وَلْتَحْتَسِبْ».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لرجل:
«يَرْحَمُكَ اللهُ وَيَأْجُرُكَ».
[رواه البيهقي في السنن الكبرى]
ومن الصيغ الحسنة أيضًا:
"أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك"
"أجركم الله في مصيبتكم، وأعقبكم خيرًا منها"
"إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمَّى"
لا توجد صيغة واجبة أو محددة للتعزية في الإسلام، بل تتحقق بكل لفظ فيه تصبير، وتذكير بالآخرة، ودعاءٌ للميت وأهله.
لكن يُستحب استخدام ما ورد في السنة من ألفاظ وصيغ، لما فيها من تمام الأدب وجمال التعبير.
والله أعلم.