صيغ الصلاة على النبي في الطرق الصوفية.. بين الابتهال والأنوار الربانية

مع المولد النبوي الشريف 2025، يزداد اهتمام المسلمين حول معرفة صيغ الصلاة على النبي ﷺ، خاصة تلك التي اشتهرت في الطرق الصوفية وارتبطت بمجالس الذكر والابتهالات.

ويؤكد مشايخ الصوفية أن هذه الصيغ ليست مجرد كلمات تقال، بل هي مفاتيح للأنوار الروحية والبركات الإلهية، حيث تجاوز عددها المعروف أكثر من 48 صيغة وضعها كبار الأئمة والعارفين بالله، من أمثال الجيلاني، الرفاعي، أحمد البدوي، الدردير، القرطبي، ابن حجر الهيتمي وغيرهم.

ويجمع الصوفية على أن الصلاة على النبي من أعظم القربات، مستشهدين بقول النبي ﷺ: «من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا»، لذا حرصوا على تنويع الصيغ حتى تكون وسيلة للتقرب المستمر من الله ورسوله، خصوصًا في المناسبات العطرة مثل المولد النبوي الشريف.

الصيغة الإبراهيمية.. الأساس والأصل

على الرغم من كثرة الصيغ، فإن الصيغة الإبراهيمية تظل هي الأصل والأساس، لما ورد عن الصحابي كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ علم أصحابه كيفية الصلاة عليه فقال:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آل مُحَمَّدٍ كما صَلَّيتَ على آلِ إبْرَاهِيمَ إنك حميد مجيد، وبارك على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما باركتَ على آلِ إبْرَاهِيمَ إنك حميد مجيد».

وقد اتفق علماء الأمة أن هذه الصيغة هي الأكمل، ومع ذلك لم يمنع ذلك أهل التصوف من الإبداع في صيغ أخرى تقوي معاني الحب والشوق للرسول.

صيغ الإمام عبد القادر الجيلاني

يعد الإمام عبد القادر الجيلاني من أكثر من اشتهر بالصيغ المؤثرة للصلاة على النبي، ومنها:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ طبّ القلوب ودوائها، وعافية الأبدان وشفائها، ونور الأبصار وضيائها، وعلى آله وصحبه وسلّم».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ الذي ملأت قلبه من جلالك، وعينه من جمالك، فأصبح مؤيدًا منصورًا، وعلى آله وصحبه وسلّم».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ الذي أشرقت بنوره الأرض، وعلى آله وصحبه وسلّم».

صيغ الإمام أحمد الرفاعي

أما الإمام الرفاعي، فقد ترك صيغًا عميقة مليئة بالصور البلاغية:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ شجرة الأصل النورانية، ولمعة القبضة الرحمانية، أفضل الخلائق الإنسانية…».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله صلاةً تُنجينا من جميع الأهوال والآفات، وتقضي لنا بها جميع الحاجات، وتطهرنا بها من جميع السيئات، وترفعنا بها عندك أعلى الدرجات».

صيغ الإمام أحمد البدوي

ومن الصيغ التي نسبت إلى سيد أحمد البدوي:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً تُخرجنا بها من ظلمات الوهم، وتكرمنا بنور الفهم، وتوضح لنا ما أشكل حتى يفهم».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً تكون لنا نورًا في القلب، ونورًا في القبر، ونورًا على الصراط، ونورًا يوم نلقى وجهك».

صيغ الإمام أحمد الدردير

اشتهر الإمام الدردير بعباراته الجامعة، ومنها:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً تملأ خزائن الله نورًا، وتكون لنا وللمؤمنين فرجًا وسرورًا، وعلى آله وصحبه وسلّم».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً تشرح بها الصدور، وتيسر بها الأمور، وتفرج بها الكروب، وتُنال بها المطلوب».

صيغ الإمام القرطبي

أما القرطبي فقد كتب صيغًا تحمل معنى الرحمة والبركة، منها:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ النبي الأمي الحبيب، وعلى آله وأصحابه الطيبين، صلاةً ترفع بها قدرنا، وتغفر بها ذنوبنا».

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً تُديم بها علينا النعم، وتدفع بها عنا النقم، وتكون لنا ذخرًا عند الممات».

صيغ الإمام ابن حجر الهيتمي

ومن صيغ ابن حجر الهيتمي:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ الذي أشرقت به شمس الهداية، وعلى آله وصحبه وسلم».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً تُكفّر بها عنا الذنوب، وتضاعف بها الحسنات، وترفع بها الدرجات».

 صيغ متداولة في مجالس الذكر

وتشتهر مجالس الصوفية بترديد صيغ أخرى قصيرة وسهلة الحفظ، منها:

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ عدد ما في علم الله، صلاةً دائمة بدوام ملك الله».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ عدد خلقك، ورضا نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ في الأولين والآخرين، وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ صلاةً لا حصر لها ولا حد، وعلى آله وصحبه وسلم».

• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ بحر أنوارك، ومعدن أسرارك، ولسان حجتك، وعروس مملكتك».
• «اللَّهُمَّ صَلِّ على سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله صلاةً تُنير لنا الظلمات، وتفتح لنا أبواب الخيرات».

 الخلفية الروحية والتاريخية للصيغ

يرى علماء التصوف أن تنويع صيغ الصلاة على النبي يعود إلى رغبة المريدين في استحضار معانٍ مختلفة مع كل صيغة، فتارة تكون طلبًا للمغفرة، وتارة توسلاً للشفاء، وتارة رجاءً في كشف الكربات، وقد ارتبطت هذه الصيغ بتاريخ الطرق الصوفية التي جعلت من الذكر الجماعي وسيلة لإحياء القلوب.

وتعود أصول بعض هذه الصيغ إلى مؤلفات كبرى مثل "دلائل الخيرات" للإمام الجزولي، الذي يعد من أهم المراجع التي جمعت صيغ الصلاة على النبي.

دور الصيغ في الموالد والاحتفالات

في المولد النبوي الشريف، تتجلى هذه الصيغ بقوة في مجالس الذكر والإنشاد الصوفي، حيث يرددها المريدون بأصوات جماعية تصاحبها دفوف وإنشاد روحي، ويعتبر الصوفيون أن هذه الصيغ تبعث الطمأنينة في النفوس، وتجدد الحب لرسول الله ﷺ.

كما تنتشر الصيغ في حلقات الذكر الأسبوعية في الزوايا والتكايا، وتعد وسيلة للتربية الروحية، إذ يرددها المريد مئات المرات في الليلة حتى يذوق لذة الذكر ويشعر بالقرب من الحبيب المصطفى.