سمنة الأم قبل الحمل.. خطر صامت يهدد سلوكيات الأطفال

أصبحت السمنة قبل الحمل واحدة من أكثر القضايا الصحية إثارة للجدل بين الباحثين والأطباء، ليس فقط بسبب انعكاساتها المباشرة على صحة الأم، ولكن أيضًا لارتباطها الوثيق بتطور السلوك النفسي والعقلي لدى الأطفال.
نشرت دراسة حديثة في مواقع عالمية، كشفت عن أدلة قوية تربط بين الوزن الزائد للأم قبل الحمل واحتمالية إصابة الطفل باضطرابات مثل فرط الحركة (ADHD)، التوحد (ASD)، مشكلات السلوك، بل وحتى التأخر العقلي.
دراسة تحليلية تكشف أرقامًا مقلقة
أشارت دراسة تحليلية واسعة، نشرتها دورية PLOS One، إلى أن الأمهات اللاتي يعانين من زيادة الوزن قبل الحمل قد يرفعن من احتمالية تعرض أطفالهن لعدة مشكلات نفسية وسلوكية، النتائج جاءت كالتالي:

- خطر فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) يرتفع بنسبة 55%.
- خطر التوحد (ASD) يزيد بنسبة 37%.
- خطر التأخر العقلي يرتفع بنسبة 40%.
- مشكلات السلوك تزداد بنسبة 50%.
- اضطرابات نفسية أخرى مثل القلق والاكتئاب تزداد بمعدل 30%.
أما عند الأمهات المصابات بالسمنة (BMI مرتفع)، فإن احتمالية إصابة الطفل بهذه الاضطرابات ترتفع بشكل مضاعف، وهو ما يجعل المسألة أكثر خطورة مما يُعتقد.
دراسات داعمة من جهات علمية مرموقة
في دراسة أخرى منشورة في Frontiers in Neuroscience، تبين أن سمنة الأم أثناء الحمل ترتبط بزيادة احتمالية إصابة الطفل باضطرابات مثل القلق، الاكتئاب، اضطرابات الأكل، وفرط الحركة، وفسر العلماء ذلك بوجود علاقة بين السمنة وارتفاع معدلات الالتهاب والهرمونات والجلوكوز في دم الأم، وهو ما قد يؤثر مباشرة على تطور الدماغ لدى الجنين.
كما أشار موقع Wikipedia – Parental Obesity إلى أن السمنة لا تزيد فقط من احتمال حدوث مشكلات سلوكية، بل ترتبط أيضًا بزيادة مخاطر العيوب الخلقية وسوء التمثيل الغذائي المبكر عند الأطفال.
تحليل ضخم يشمل 3.6 مليون أم وطفل
من أبرز النتائج الحديثة، تحليل إحصائي عالمي شمل 42 دراسة وأكثر من 3.6 مليون أم وطفل، خلص إلى:

- ارتفاع خطر إصابة الأطفال بـ ADHD بنسبة 32% عند ولادتهم لأمهات بدينات.
- تضاعف خطر التوحد (Autism) بمعدل يزيد على مرتين.
- زيادة احتمالية الإصابة باضطرابات السلوك بنسبة 16%.
هذه الأرقام، وفقًا للخبراء، تضع السمنة قبل الحمل كعامل خطر يجب التعامل معه بالجدية نفسها مثل التدخين أو أمراض مزمنة أخرى أثناء فترة الحمل.
الآليات البيولوجية وراء العلاقة
يشير الباحثون إلى أن هناك عدة عوامل بيولوجية يمكن أن تفسر هذه الظاهرة:
- إعادة برمجة الأيض (Metabolic imprinting): السمنة قد تؤثر على جينات الطفل المرتبطة بالطاقة والشهية، مثل جين اللبتين، ما ينعكس على سلوكه ونظامه الغذائي مستقبلًا.
- الالتهاب المناعي: السمنة تؤدي إلى ارتفاع مؤشرات الالتهاب مثل بروتين C-reactive protein والإنترلوكينات، والتي تنتقل للجنين عبر المشيمة وتؤثر على تكوين الدماغ.
- التأثيرات الهرمونية: اضطراب هرمونات مثل الإنسولين والكورتيزول قد يغيّر من تطور المناطق المسؤولة عن الانتباه والذاكرة والتحكم السلوكي.
دراسة حديثة من تركيا
دراسة نشرت في Nutrients في جامعة سامسون التركية، أشارت إلى أن كثيرًا من الأمهات يستخففن بوزن أطفالهن الزائد، ما يقلل من التدخل المبكر ويزيد من احتمالية استمرار السمنة ومشكلاتها السلوكية، هذا يعكس أن وعي الأهل يلعب دورًا حاسمًا في الوقاية منذ المراحل المبكرة.
ما الذي تعنيه هذه النتائج للأمهات؟
- خسارة الوزن قبل الحمل بنسبة 5–10% قد تُحدث فرقًا كبيرًا في خفض المخاطر المحتملة.
- التغذية المتوازنة ومتابعة الطبيب قبل وأثناء الحمل أمر ضروري.
- التخطيط للحمل مع استشارة أخصائي تغذية ونساء وتوليد قد يساهم في تجنب مضاعفات خطيرة على صحة الطفل.
- التوعية الأسرية ضرورية لتجنب التعامل السطحي مع السمنة، خصوصًا أن الأمر لم يعد متعلقًا بمظهر أو وزن فحسب، بل بصحة عقلية وسلوكية للأجيال القادمة.