تحفيز كهربائي للدماغ.. خطوة جديدة نحو علاج السمنة المزمنة

كشفت دراسة حديثة نُشرت في مجلة "Nature Mental Health" أن تحفيز مناطق معينة من الدماغ باستخدام تيارات كهربائية منخفضة، قد يساعد بشكل فعّال في تقليل شراهة الأكل لدى الأشخاص الذين يعانون من الإفراط في تناول الطعام، فكيف تعمل هذه التقنية؟ وهل يمكن أن تمهد الطريق لعلاج السمنة المزمنة؟
التحفيز الكهربائي
الدراسة التي أجراها فريق من العلماء في جامعة "بايلور" الأمريكية، اختبرت طريقة تُعرف باسم التحفيز الترانسجمجي المستمر للدماغ (tDCS)، وهي تقنية غير جراحية تقوم على توصيل تيارات كهربائية خفيفة إلى فروة الرأس، تستهدف مناطق محددة من الدماغ تتحكم في الشهية والسلوك المرتبط بالمكافأة.
أظهرت النتائج أن تحفيز قشرة الفص الجبهي الأيسر "وهي منطقة مسؤولة عن اتخاذ القرار وضبط النفس" أدى إلى انخفاض واضح في رغبة المشاركين بتناول الأطعمة العالية السعرات، خاصة تلك الغنية بالدهون والسكريات.
شراهة الأكل
وفقًا لتقارير صحية دولية، فإن شراهة الأكل أو اضطراب الأكل القهري يُعد من أكثر السلوكيات الغذائية شيوعًا حول العالم، ويرتبط بشكل مباشر بالسمنة، والاكتئاب، والقلق. المشكلة لا تتعلق فقط بتناول كميات كبيرة من الطعام، بل بفقدان السيطرة خلال الأكل، ثم الشعور بالذنب بعدها.
وما يجعل هذه الدراسة مثيرة للاهتمام هو أنها تؤكد أن شراهة الأكل ليست مجرد مشكلة "نفسية" أو "عاطفية"، بل ترتبط بعمل دوائر عصبية محددة في الدماغ. وهذا ما يجعل من تحفيز الدماغ كهربائيًا أداة واعدة للتدخل العلاجي.
نتائج التجربة
شارك في الدراسة 72 شخصًا يعانون من شراهة الأكل، وقُسموا إلى مجموعتين الأولى تلقت تحفيزًا كهربائيًا حقيقيًا عبر أقطاب على الرأس، بينما الثانية خضعت لتحفيز وهمي كجزء من مجموعة المقارنة،
خلال جلسات التحفيز التي استمرت لأسبوعين، لوحظ انخفاض ملحوظ في عدد نوبات الشراهة لدى المجموعة الأولى، وتحسّن في قدرتهم على مقاومة الأطعمة المغرية، مقارنةً بالمجموعة الأخرى. والأهم، لم تسجل أية آثار جانبية سلبية خطيرة، مما يشير إلى أمان هذه التقنية في الاستخدام قصير المدى.
ليست سحرية
رغم التفاؤل الكبير الذي أبداه الباحثون، إلا أنهم شددوا على أن هذه التقنية ليست حلاً سحريًا لإنقاص الوزن أو ضبط الشهية، بل أداة مساعدة يمكن دمجها مع برامج العلاج السلوكي أو التغذية العلاجية، حيث قال الدكتور "كريستوفر شولتز"، المشرف على الدراسة:"نحن لا نقول إن التحفيز الكهربائي سيحل المشكلة بالكامل، لكنه قد يمنح الدماغ دفعة إضافية لاتخاذ قرارات أفضل بشأن الأكل".
آمنة إلى حد كبير
تقنية "tDCS" تُعتبر آمنة إلى حد كبير، خاصة أنها تستخدم تيارات كهربائية ضعيفة (لا تتجاوز 2 مللي أمبير)، ولا تتطلب تدخلًا جراحيًا، ولكن ما زالت هناك حاجة لإجراء دراسات طويلة الأمد لتقييم الآثار المحتملة مع الاستخدام المتكرر.
كما أشار الباحثون إلى ضرورة إشراف مختصين عند استخدام هذا النوع من العلاج، خاصة أن المناطق الدماغية التي يتم تحفيزها قد تختلف من شخص لآخر بحسب طبيعة اضطراب الأكل لديهم.
أجهزة منزلية
بعض الشركات الطبية بدأت فعلًا بتطوير أجهزة تحفيز دماغي منزلية آمنة يمكن استخدامها تحت إشراف أطباء نفسيين أو أخصائيين تغذية، ومع استمرار التجارب السريرية، قد يصبح هذا الخيار متاحًا في المستقبل كجزء من خطط إنقاص الوزن أو معالجة اضطرابات الأكل، لكن الأطباء يحذرون من استخدام أي أدوات تحفيز دون إشراف طبي، تجنبًا لأي مضاعفات محتملة.
حلول مبتكرة
ومع تزايد معدلات السمنة حول العالم وارتباطها بأمراض مزمنة مثل السكري وأمراض القلب، تبدو هذه الدراسة خطوة مهمة نحو البحث عن حلول مبتكرة تتجاوز الحميات الغذائية التقليدية، فتحفيز الدماغ كهربائيًا يسلط الضوء على أهمية فهم الجانب العصبي من اضطرابات الأكل، ويؤكد أن الحلول المستقبلية قد تأتي من داخل الدماغ نفسه.
ويبقى الأمل قائمًا في أن تكون هذه التقنية جزءًا من منظومة علاجية شاملة تمنح الأشخاص المصابين بشراهة الأكل فرصة جديدة لاستعادة السيطرة على صحتهم وحياتهم.