الإعجاز اللغوي في سورة الفرقان: الشيخ خالد الجندي يوضح معنى “حجراً محجوراً”
الإعجاز اللغوي في سورة الفرقان.. الشيخ خالد الجندي يوضح معنى “حجراً محجوراً”

سلّط الشيخ خالد الجندي عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الضوء على أحد المواضع البلاغية في سورة الفرقان، وتحديدًا عند قوله تعالى: “يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين ويقولون حجراً محجوراً” (الفرقان: 22)، حيث تناول المعاني المختلفة لعبارة “حجراً محجوراً” وأبعادها اللغوية والفقهية.
وأوضح الجندي أن كلمة “حجر” تأتي بمعنى المنع أو الحماية، وهو ما يظهر في استخداماتها المختلفة في اللغة العربية، مثل الحجر الصحي والحجر الفقهي وحجر السفه. وبيّن أن المجرمين، حين يرون الملائكة يوم القيامة، سيدركون أنهم لن ينالوا أي بشرى، بل سيتم منعهم من دخول الجنة، فيقولون “حجراً محجوراً” أي طلبًا للمنع والحماية، لكن ذلك لن ينفعهم.
وأشار أيضًا إلى أن الملائكة، التي تُعرف عادة بالبشارة، قد تكون رمزًا للهلاك والعذاب بالنسبة للمجرمين، مما يبرز الطبيعة النسبية للأمور في القرآن الكريم.
كما تطرق الجندي إلى مفهوم “الحجر” في سياقات أخرى، موضحًا أن العقل يُسمى “حجرًا” لأنه يمنع الإنسان من التصرفات الطائشة، تمامًا كما أن “حجر إسماعيل” في الحرم المكي سُمي بذلك لأنه منطقة ممنوع الطواف فيها.
ويُعد هذا التفسير جزءًا من سلسلة تأملات الشيخ خالد الجندي في اللغة القرآنية، والتي تهدف إلى تسليط الضوء على الإعجاز البلاغي واللغوي في القرآن الكريم.
البلاغة في سورة الفرقان: إعجاز لغوي وبياني فريد
تُعد سورة الفرقان من السور الغنية بالأساليب البلاغية المتنوعة التي تعكس روعة البيان القرآني، حيث تتجلى فيها الفصاحة والإيجاز والإعجاز اللغوي الذي يخاطب العقول والقلوب في آنٍ واحد. ومن أبرز الجوانب البلاغية في السورة:
1. الطباق والمقابلة
تستخدم السورة الطباق والمقابلة لتعزيز المعاني وتوضيح الفروقات بين الفئات المختلفة. على سبيل المثال، قول الله تعالى:
“قُلْ هُوَ ٱلَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ” (الفرقان: 62)
حيث يقابل بين السمع، الأبصار، والأفئدة كأدوات للإدراك وبين قلة الشكر، مما يُبرز النعمة والتنبيه على الجحود.
2. الاستعارة والتشبيه
تعتمد السورة على التصوير البياني لتوضيح الحقائق وتقريبها للأذهان، كما في قوله تعالى: “وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولًا” (الفرقان: 41)حيث تمثل الاستعارة هنا أسلوب السخرية من المشركين، مما يعكس استهزاءهم برسالة النبي محمد ﷺ.
3. الإطناب والتكرار للتأكيد
يظهر التكرار في السورة للتأكيد على المعاني المهمة، كما في وصف حال الكافرين يوم القيامة في قوله:“وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا” (الفرقان: 23)
حيث يعبر “هباءً منثورًا” عن انعدام القيمة لأعمالهم، باستخدام صورة بصرية تجسد ضياع جهودهم.
4. السجع والفواصل القرآنية
تميزت السورة بفواصل قرآنية تتناغم موسيقيًا، مما يزيد من تأثيرها السمعي والنفسي، كما في:“تَبَارَكَ ٱلَّذِى جَعَلَ فِى ٱلسَّمَآءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا” (الفرقان: 61)
حيث تتناغم الكلمات “بُرُوجًا، سِرَاجًا، قَمَرًا مُنِيرًا” لتعزز الإيقاع القرآني.
5. التصوير الفني في وصف الكافرين والمؤمنين
يستخدم القرآن أساليب التصوير الفني للتفريق بين حال المؤمنين والكافرين، كما في قوله تعالى عن الكافرين:“وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُوا فِىٓ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا” (الفرقان: 21)
حيث يصور الله استكبارهم باستخدام “عتوًّا كبيرًا”، وهو تصوير دقيق لحالة التمرد والغطرسة