عاجل

الصحابية هند بنت عمرو بن حرام.. نموذج المرأة المؤمنة الصابرة

هند بنت عمرو بن حرام
هند بنت عمرو بن حرام رضي الله عنها

في تاريخ الإسلام، هناك أسماء لامعة لنساء خلدن مواقف بطولية ومشرفة في ميادين الدعوة والجهاد. من بين هذه الأسماء، تبرز هند بنت عمرو بن حرام، المرأة المؤمنة التي جسّدت أروع صور التضحية والصبر. 

لم تكن مجرد امرأة عادية؛ بل كانت مثالًا يُحتذى به في الثبات على الحق والرضا بقضاء الله. ارتبط اسمها بمواقف خالدة، أبرزها ما قدمته في غزوة أحد، حيث وقفت صامدة رغم فقدان أحب الناس إليها.
فمن هي هند بنت عمرو بن حرام؟ وما هي قصتها التي أصبحت مصدر إلهام للأجيال؟

من هي هند بنت عمرو بن حرام؟

هي هند بنت عمرو بن حرام بن ثعلبة، تنتمي إلى بني سلمة، أحد بطون الخزرج، القبيلة التي كان لها شرف استقبال النبي ﷺ في المدينة المنورة. عاشت في بيت يتميز بالشرف والكرم، وتزوجت من عمرو بن الجموح، أحد وجهاء بني سلمة وسادتهم، وأنجبت منه ابنها خلاد بن عمرو.

أسلمت هند مبكرًا متأثرة بدعوة مصعب بن عمير، الذي أرسله النبي ﷺ لنشر الإسلام في المدينة. وبمجرد دخولها الإسلام، حملت على عاتقها مسؤولية نشر الدعوة وهداية أهل بيتها. وكانت من النساء اللاتي تشرفن بمبايعة النبي ﷺ في بيعة العقبة الثانية، وهي البيعة التي شكّلت نقطة تحوّل في تاريخ الدعوة الإسلامية.

دورها في نشر الإسلام وإسلام زوجها

لم يكن إسلام هند مجرد قناعة شخصية، بل كان مسؤولية حملتها بقلبها وعقلها. ومن أبرز مواقفها أنها كانت سببًا في إسلام زوجها عمرو بن الجموح.

كان عمرو سيدًا من سادات المدينة، لكنه كان متعلّقًا بعبادة الأصنام. تعاملت هند مع الأمر بحكمة وصبر، وبدأت تدريجيًا في زعزعة إيمانه بالأصنام. وتروي كتب السيرة أن هند وأبنائها كانوا يخدعون عمرو بن الجموح، حيث كانوا يأخذون صنمه ويدفنونه في أماكن قذرة ليثبتوا له أنه لا يملك ضرًا ولا نفعًا. وبعد تفكير وتأمل، شرح الله صدره للإسلام، وأصبح بعد ذلك من أشد المدافعين عن الإسلام ومن المجاهدين في سبيل الله.

موقفها البطولي في غزوة أحد

تجلّت شجاعة وصبر هند بنت عمرو بن حرام في غزوة أحد، حيث خرجت مع نساء الأنصار لسقاية الجرحى ومداواة المصابين. كان زوجها عمرو بن الجموح يريد المشاركة في القتال رغم كبر سنه وعرجه الشديد، وقد حاول أبناؤه منعه، لكنه رفض وقال:
"والله لأطأنّ بعرجتي هذه في الجنة."

وبالفعل، شارك في المعركة واستشهد بجانب ابنه خلاد. كان وقع الخبر على هند ثقيلًا، لكنها استقبلته بقلب مؤمن ورضا كامل بقضاء الله. لم تبكِ ولم تندب، بل قالت:
"ما أرضاني بما صنع الله لهما، فوالله إني لأرجو أن يجمعني الله بهما في مستقر رحمته."

بعد المعركة، حملت هند جثمان زوجها وابنها على بعير لتعود بهما إلى المدينة لدفنهما. لكن البعير كان يتجه وحده نحو ساحة المعركة. عندها أدركت هند أن الله أراد لهما أن يُدفنا في مكان استشهادهما، فاستجابت لرغبة الله ودفنتهما هناك معًا، تحقيقًا لأمنية زوجها بأن يكون مع الشهداء في الدنيا والآخرة.

مكانة هند عند النبي ﷺ

حظيت هند وأسرتها بمكانة رفيعة عند النبي محمد ﷺ. فبعد غزوة أحد، قال النبي عنهم:
"والله لقد رأيت زوجها وابنها يدخلان الجنة معًا."

كان النبي ﷺ يُثني على صبرها وإيمانها العميق، وضُرب بها المثل في الصبر الجميل، والرضا بقضاء الله، والتضحية في سبيل الله.

الدروس المستفادة من قصة هند بنت عمرو بن حرام

قصة هند ليست مجرد رواية تاريخية، بل هي مدرسة متكاملة نتعلم منها الكثير من القيم والمعاني العظيمة:
١.الصبر عند الابتلاء: علمتنا هند أن الصبر الحقيقي يظهر عند أشد المواقف، كفقدان الأحبة.

٢.دور المرأة في نصرة الإسلام: لم تكن المرأة في عهد النبي ﷺ مجرد متفرجة، بل كانت شريكًا فاعلًا في الدعوة والجهاد.

٣.الإيمان واليقين بوعد الله: هند لم ترَ استشهاد زوجها وابنها مصيبة، بل نعمة وشرفًا عظيمًا.

٤.الوفاء الأسري: كان حرصها على أن يُدفن زوجها وابنها معًا دليل حب ووفاء عميقين.

إرث خالد في ذاكرة الإسلام

تبقى قصة هند بنت عمرو بن حرام شاهدًا على أن الإيمان الحقيقي يُترجم بالأفعال، وأن المرأة المسلمة قادرة على الصبر والثبات مهما عظمت التحديات. هي امرأة خلد التاريخ اسمها لأنها لم تكن تتردد في تقديم أعز ما تملك في سبيل الله.

إنها هند بنت عمرو، المرأة التي علّمتنا أن طريق الجنة يستحق كل تضحية.

تم نسخ الرابط