عاجل

من واسط إلى الإسكندرية|الرفاعية تحتفي بذكرى «أبو الفتح الواسطي».. أسراره وقصته

مولد أبو الفتح الواسطي
مولد أبو الفتح الواسطي

تحتفي الطريقة الرفاعية بمولد «أبو الفتح الواسطي»، الذي يُقام اليوم وغدًا في زاويته الكائنة بحي اللبان بالإسكندرية، وذلك بحضور شيخ الطريقة طارق الرفاعي،  فمن هو؟

مولد أبو الفتح الواسطي

أبو الفتح الواسطي، هو أحد أوائل رجال التصوف الذين حملوا مشعل الطريقة الرفاعية من واسط العراق إلى أرض الكنانة، فكان من أوائل من غرسوا جذور هذا السلوك الروحي النبيل في تربة مصر.

ولد شمس الدين أبو الفتح محمد بن عثمان الواسطي في مدينة واسط، وتربى في كنف العارف بالله الإمام أحمد الرفاعي الكبير (512–578هـ)، فكان من أوثق تلاميذه وأكثرهم ملازمةً له. وتشهد على مكانته روايات الصوفية القديمة، حيث يقول ابن الملقن في كتابه بهجة الأسرار ومعدن الأنوار: "كان من أكابر أصحاب الرفاعي، جمع بين العلم الظاهر والباطن، وخصه الإمام بكثير من الأسرار."

يقول الباحث مصطفى زايد إنه جاء في طبقات الأولياء لابن المزاحم، عنه وصفًا بالغ الدقة:"كان له سمت أهل الفتح، وعليه سيما الرجال، وظهر من طريقه البركة في واسط، ثم حل بالإسكندرية ففاحت رائحة الذكر من حوله."

من واسط إلى الإسكندرية: رحلة النور

لم يكن انتقاله إلى مصر مجرد هجرة مكانية، بل كان فتحًا من فتوحات الروح. ففي النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وفد إلى الإسكندرية واستقر في حي اللبان، حيث أسس زاويته الشهيرة، التي صارت مع الأيام موئلًا للمريدين والسالكين، ومزارًا لأهل المحبة والصفاء.

وقد سجلت وثائق الأوقاف العثمانية من القرن السادس عشر وجود هذه الزاوية، باسم "زاوية الواسطي"، ضمن أوقاف حي اللبان، مما يدل على استمرار الأثر الروحي والاجتماعي لهذا الشيخ عبر الأجيال.

ويؤكد الرحالة والمؤرخون الذين زاروا الإسكندرية في القرون الماضية حضوره في الذاكرة الصوفية للمدينة، لا سيما في كتاب الخطط التوفيقية لعلي باشا مبارك، الذي يذكر:"ضريح الشيخ أبي الفتح الواسطي في شارع الشيخ قنديل، يُزار في المواسم، ويقصده العامة والخاصة."

ما قاله المشايخ عن أبي الفتح الواسطي؟ 

لم يختلف المشايخ العارفون في الإشادة بشأن أبي الفتح. فقد نقل الشيخ علي السمهودي عنه في كتابه وفاء الوفا:"هو من أولي السر المصون، قدس الله سره، وكان للرفاعي محل خاص في قلبه، فأفاض عليه من علوم الذوق ما لا يُعد ولا يُحصر."

أما الإمام الشعراني، ورغم التحفظ على بعض مروياته، فقد جعله ضمن رجالات الطبقة الكبرى، وقال: "كان إذا جلس للذكر، خضعت القلوب، وإذا تكلم عن الأحوال، سُكبت الدموع."

تراثه العلمي والصوفي

لم يكن أبو الفتح مجرد مريد، بل صار شيخًا له مؤلفات ومواقف. فقد عُثر في دار الكتب المصرية على مخطوط نادر بعنوان آداب المريدين، يُنسب إليه، يتناول فيه مراحل السير إلى الله، وصفات الشيخ والمريد، وأدب الذكر، وهو مؤلف يُظهر عمق تجربته ومعرفته بأسرار السلوك الروحي.

كما نُشرت مؤخرًا منظومة صوفية في التوحيد تُنسب إليه، تتسم بالصفاء التعبيري والتوحيد الذوقي، وقد قام بتحقيقها عدد من الباحثين المتخصصين في التراث الصوفي.

أين يقع ضريح أبو الفتح الواسطي؟ 

يقع ضريح أبو الفتح الواسطي في شارع الشيخ قنديل بحي اللبان، داخل مبنى بسيط يشع وقارًا وروحانية. وفي يومي مولده، تتوافد الوفود من محبي أهل البيت وأهل الله لإحياء الذكر، وتقام حلقات للمديح والإنشاد، وقراءة ما تيسر من كتبه ومروياته.

هو مولد لا يُختصر في الاحتفال، بل هو لقاء بين الأرواح، بين من حفظوا الودّ لأهل الطريق، ومن يسيرون على أثر من ساروا إليه بصدق.

تم نسخ الرابط