1525 مقامًا في طيّ النسيان.. ذاكرة الإسكندرية الصوفية المندثرة

في قلب الإسكندرية، المدينة التي ضمّت بين أزقتها عبق الحضارة ومهابة الأولياء، تكمن ذاكرة مفقودة، محجوبة خلف جدران النسيان والتهميش العمراني. أكثر من 1500 ضريح وزاوية ومقام صوفي اندثر أو طُمر أو تغيّر وجهه، مخلفًا وراءه آثارًا ضبابية وشهادات صامتة في سجلات المحكمة، وأرشيفات الأوقاف، ومخطوطات ضائعة بين مكتبات العالم.
يقول الباحث الصوفي مصطفى زايد لـ نيوز رووم :في العصر الإسلامي بين عامي 641 و969 ميلادية، وثقت المخطوطات نحو 92 ضريحاً كانت قائمة في أنحاء المدينة. من أبرزها مقام الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص في منطقة الرمل، وضريح التابعي أبي الخير محمد بن سيرين بحي الجمرك، وزاوية الإمام الحسن البصري بكوم الدكة. تلك المواقع وردت في "فتوح مصر" لابن عبد الحكم (دار الكتب المصرية، رقم 2345) وفي سجلات المحكمة الشرعية (المجلد 1، ص 45-60).
ثم بزغ العصر الفاطمي (969-1171م)، وتوسعت معه مظاهر التقديس الشعبي، فارتفع عدد الأضرحة إلى 143 موقعاً، حسب سجل الأوقاف الفاطمية (مخطوطة الأزهر، رقم 876) وكتاب "المنتقى في أخبار الإسكندرية" (خزانة مكتبة الإسكندرية، رقم 123). من أبرزها مقام الشيخ أبي الطاهر المديني بسيدي جابر، وضريح السيدة زينب الصغرى في باب شرقي، وزاوية القاضي الفاضل بمنطقة المنشية.
في الفترة الأيوبية (1171-1250م)، رغم الطابع السني المحافظ، لم تتوقف حركة بناء الأضرحة، وإن تقلص عددها إلى 67 ضريحاً. من الأسماء اللامعة في هذه المرحلة، الشيخ شهاب الدين السهروردي في الأنفوشي، والإمام أبو طاهر السلفي بالمعمورة، إلى جانب زاوية ابن عطاء الله السكندري الأولى بالعطارين. التوثيق جاء من وثائق ديوان الأوقاف (دار الوثائق القومية، ملف 456) ومخطوطة "التحفة السنية في مساجد الإسكندرية" (دار الكتب، رقم 567).
أما في العصر المملوكي (1250-1517م)، فشهدت الإسكندرية نهضة دينية وروحية كبرى، إذ بلغ عدد الأضرحة والزوايا الموثقة 276 موقعاً. المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" يشير إلى مقام الشيخ عبد الرحمن البسطامي، وضريح القاضي بدر الدين بن جماعة، وزاوية سيدي محمد المغربي ببحري. هذا بالإضافة إلى ما ورد في سجلات المحكمة الشرعية (مجلد 12، ص 78-90).
أضاف “زايد” :ثم جاءت الحقبة العثمانية (1517-1798م) لتكون الأغزر في عدد الأضرحة، بإجمالي موثق بلغ 412 ضريحاً. ويعزو الباحثون ذلك إلى ازدهار الطرق الصوفية. من الأضرحة البارزة: الشيخ زين الدين المنوفي في سيدي بشر، والعارف بالله أبي السعود الجارحي بمحرم بك، وزاوية الإمام البوصيري القديمة بأبو قير، كما هو موثق في دفاتر المهمة العثمانية (أرشيف إسطنبول، رقم 1123) وسجلات المحكمة الشرعية (مجلد 23، ص 112-130).
وفي القرن التاسع عشر (1801-1900م)، وعلى الرغم من التأثيرات الغربية، لم تخفت روح الصوفية، وسُجل وجود 341 موقعاً دينياً، منها ضريح الشيخ أحمد القنائي بمنطقة اللبان، ومقام السيدة رقية الثانية بالعطارين، وزاوية سيدي غريب القديمة بفلمنج. تعود التوثيقات إلى تقارير لجنة حفظ الآثار العربية (1895، ص 234) وسجلات البلدية (مجلد 5، ص 67-89).
أخيراً، شهد القرن العشرون (1901-2000م) تقلصًا تدريجيًا بفعل التمدن والقرارات الإدارية، فوثقت هيئة الآثار 194 مقاماً وزاوية فقط، من ضمنها مقام الشيخ عبد الغني المقدسي بسيدي جابر، وضريح السيد محمد كريم بالمنشية، وزاوية أبي الحسن الشاذلي الصغيرة بالمندرة، كما ورد في ملف الهيئة (رقم 342) وسجلات المحافظة بين عامي 1947 و1962.
الإجمالي الصادم: بلغ عدد الأضرحة والمقامات والزوايا المندثرة، بحسب الوثائق الرسمية والمخطوطات الأصلية، نحو 1,525 موقعاً دينياً في مدينة الإسكندرية وحدها.