المجلس الأعلى للثقافة .. تشكيل جديد يُغضب المثقفين

أثار تشكيل المجلس الأعلى للثقافة الجديد حالة من الجدل، حيث يضم أصحاب الخبرات من كبار السن وسط غياب الشباب، ما عرض المسئولين لانتقادات.
المشهد الثقافي يعكس إعادة تدوير
وقال الدكتور حسام الضمراني، عضو لجنة الإعلام السابق بالمجلس الأعلى للثقافة، في تصريحات خاصة لـ"نيوز رووم"، إن نسبة كبيرة من أعضاء التشكيل الحالي هم من الخبراء والاستشاريين الذين يقدرون عالياً، لكنه أشار إلى أن المشهد الثقافي يعكس إعادة تدوير لنفس الأسماء والشخصيات التي تتصدر المشهد منذ سنوات طويلة.
وأضاف: "هناك كوادر عمرها يتراوح بين السبعين والثمانين عاماً، وهذا لا ينفي عطائهم أو تاريخهم، لكنه يعكس غياب رؤية لتأهيل جيل جديد قادر على قيادة المشهد الثقافي مستقبلاً".
وتابع: "كنا نأمل أن يُخصص نصف المقاعد – أي 12 مقعداً – للشباب في التشكيل الذي يضم 24 عضواً، ليكون المجلس منصة للتواصل بين الأجيال، وفرصة لاكتساب الخبرات تحت إشراف رموز ثقافية كبيرة".
وانتقد الضمراني فكرة إشراك الشباب فقط في لجان فرعية، واعتبرها غير كافية، مشدداً على ضرورة إعداد كوادر شابة تمر بدورة تدريبية مكثفة على مدار عامين في بيئة تشاركية مع خبراء كبار، وذلك من خلال مشاركتهم الفعلية في التشكيل الرئيسي وليس فقط في لجان هامشية.
عدم وجود شباب قادر على العطاء في المشهد الثقافي
وأشار إلى أن بعض الأسماء في التشكيل الحالي، مثل الدكتور أحمد زايد والدكتور أحمد عبدالمعطي حجازي، هي شخصيات محترمة وذات إسهامات كبيرة، لكنها ممثلة في كيانات ومجالس أخرى، ما يعطي انطباعاً بعدم وجود شباب قادر على العطاء في المشهد الثقافي، وهو ما لا يتوافق مع الواقع.
وانتقد أيضاً ما وصفه بردود أفعال "استعلائية" من بعض الشخصيات المرتبطة بالمجلس تجاه ملاحظات وانتقادات الناس على التشكيل.
وختم الضمراني مطالباً وزارة الثقافة، وعلى رأسها الوزير، بضرورة رصد وتحليل ما يُكتب على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن التشكيل الجديد، ورفع نتائج هذا التحليل إلى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة لتصحيح المسار في التشكيلات القادمة، معتبراً أن هذه الخطوة غائبة تماماً عن منهج العمل حالياً.
مطالبة بتمكين الشباب المثقف
وأعربت النائبة آيات الحداد، عضو مجلس النواب، عن احترامها الكامل للقامات الوطنية وأصحاب الخبرات التي ضمها التشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة، مؤكدة في الوقت نفسه دهشتها من غياب تمثيل أوسع لفئة الشباب من المبدعين والمثقفين، رغم الدعوات المستمرة إلى تجديد الخطاب الثقافي وتوسيع قاعدة المشاركة المجتمعية فيه.
وقالت الحداد: "مع احترامي الكبير لكل الرموز الثقافية وأصحاب الخبرات، فإن تشكيل المجلس جاء مغايرًا لما كان منتظرًا، خاصة أن المجلس يصدر عن وزارة الثقافة، وكان من المنطقي أن يعكس روح التجديد والانفتاح على الطاقات الشابة التي تمثل المستقبل".
وأكدت النائبة أن غياب أسماء من الشباب المبدعين، رغم وجود عدد كبير منهم في الساحة الثقافية المصرية، لا ينسجم مع توجه الدولة نحو تمكين الشباب وإشراكهم في مواقع التأثير وصنع القرار. وقالت: "كنا نأمل أن نرى دمجًا حقيقيًا بين الخبرات الراسخة والطموحات الشابة، بما يخلق توازنًا مثمرًا في أداء المجلس ويواكب تطلعات الأجيال الجديدة".
وأضافت: "لا أعترض على وجود أصحاب الخبرات، فهم قيمة مضافة لا غنى عنها، لكن تجاهل طاقات الشباب يمثل خللًا في الرؤية، خاصة في هذا الظرف الثقافي الذي يتطلب تجديدًا واعيًا للمفاهيم والمقاربات".
الشباب ركيزة لتجديد الخطاب الثقافي
وشددت "الحداد" على أن الثقافة ليست حكرًا على جيل دون آخر، بل هي تفاعل مستمر بين الماضي والحاضر والمستقبل. ولفتت إلى أن إشراك الشباب في المجلس الأعلى للثقافة كان سيمنح المنظومة دفعة قوية نحو الابتكار والتفاعل مع المتغيرات المجتمعية.
واختتمت النائبة تصريحاتها قائلة: "المرحلة المقبلة تتطلب مراجعة جدية لمنهج تشكيل المؤسسات الثقافية، بحيث يتم إعطاء الفرصة للطاقات الواعدة للمشاركة في صياغة السياسات الثقافية، وليس فقط استقبالها. الدمج بين الخبرة والشباب ليس رفاهية، بل ضرورة وطنية لتعزيز الوعي وبناء مستقبل ثقافي مستدام".
التشكيل الحالي مناسب للدور الذي يقوم به المجلس
على النقيض، قالت النائبة دينا عبدالكريم، عضو لجنة الثقافة والإعلام والآثار بمجلس النواب،، في تصريحات صحفية، إنها تشرفت بعضويته خلال الفترة من نوفمبر 2023 وحتى التشكيل الجديد، مشيرة إلى أن خلفيتها العلمية والعملية تؤهلها بشكل كامل لتكون جزءًا من المجلس في ظل المعايير التي يطالب بها المنتقدون.
وأكدت أن المجلس الأعلى للثقافة، بتشكيله الحالي، يُعد مناسبًا تمامًا للدور الذي يقوم به، وهو دور استشاري بحت، حيث لا يملك المجلس أي سلطة تنفيذية أو تشريعية على ملف الثقافة أو الإعلام أو التعليم.
وأوضحت عبدالكريم أن المجلس يُعنى بمناقشة موضوعات ثقافية وفكرية هامة، لكن توصياته ليست ملزمة للجهات المعنية، ما يجعله بمثابة مجلس شرفي يساهم في إثراء المشهد الثقافي من خلال الحوار والنقاش فقط.
وأضافت أن أغلب أعضاء المجلس يعتذرون عن تقاضي أي مقابل مادي، لافتة إلى أن بدل الحضور زهيد للغاية ولا يتجاوز 150 جنيهًا، وهو مبلغ رمزي يُمنح فقط لتغطية نفقات الحضور.
وتطرقت النائبة إلى أن موجة الغضب الموجهة إلى المجلس يجب أن تُعاد توجيهها نحو الفرص المهدرة والعقول الثقافية التي لا يتم الاستفادة منها بالشكل الأمثل، وكذلك نحو التعدد المفرط للجهات المعنية بالثقافة دون تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع. وأشارت إلى أن النقد البناء يحتاج إلى معلومات دقيقة لفهم واقع المجلس ودوره، بدلاً من تحميله أعباء أكبر مما يحتمل.
واختتمت دينا عبدالكريم حديثها بالتأكيد على ضرورة العمل على تحسين المشهد الثقافي العام في مصر، داعية إلى التركيز على التعاون بين مختلف المؤسسات والجهات المعنية لتعزيز الثقافة الوطنية، بدلاً من الانشغال بنقد تشكيلات استشارية لا تملك سلطة تنفيذية ولا تأثيرًا مباشرًا في صنع السياسات.
أهمية تواجد أصحاب الخبرات في المجلس
وبشأن الانتقادات المواجهة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للاستعانة بكبار السن في المجلس، قال الكاتب الصحفي والأديب الكبير يوسف القعيد في تصريحات خاصة لموقع “نيوز رووم”: "يجب أن يكون أعضاء المجلس من أصحاب الخبرات الكبيرة خاصة أنهم سيكونون معنيين بتناول قضايا الثقافة المصرية، والشباب يصلحوا لأشياء كثيرة أخرى بخلاف المجلس".