5 أولياء بينهم سيدة.. أسرار الأضرحة المندثرة أسفل قلعة قايتباي (خاص)

لا تعد قلعة قايتباي، بمحافظة الإسكندرية مجرد قلعة عسكرية على الثغر الشمالي لمصر، بل هي عند الصوفية مقبرة روحية، فما هي أسرارها؟
أسرار الأضرحة المندثرة تحت قلعة قايتباي
يقول الباحث مصطفى زايد لـ نيوز رووم: «قلعة قايتباي ليست فقط بناءً عسكريًا شامخًا منذ القرن الخامس عشر، بل هي في قلبها مقبرة روحية، مدفونة تحت طبقات من التوسعات والخرائط المهملة. فقبل أن تشمخ القلعة بأبراجها، كانت الأرض التي قامت عليها مأهولة بأضرحة ومقامات لأولـياء وبحَّارة وعُبَّاد، اتخذوا من قرب البحر مقامًا ومن صخوره محرابًا.
لكن يد الزمان، ومعاول العمران، ومحاضر السياسة، اجتمعت جميعًا لتمحو هذه الأسماء من الذاكرة. غير أن الوثائق والمخطوطات، والروايات الشفوية، كشفت لنا ــ ولو همسًا ــ عن حكايات خمس شخصيات صوفية اندثرت أضرحتهم تحت القلعة، وبقيت أرواحهم تحرس الموج.
الشيخ محمد المغاوري (القرن الثاني عشر الميلادي)
أحد مريدي سيدي أبي الحسن الشاذلي، وقد عرف عنه أنه كان "بحريّ القلب"، يرتل أوراده عند الفجر على صخور الفنار القديم، ويشتهر بين أهل الإسكندرية بكراماته في تهدئة العواصف وإنقاذ السفن العالقة.
أشارت إلى اسمه بعثة الآثار عام 1984م بعد اكتشاف نقش كوفي متهالك في الجهة الشمالية من القلعة. كما ورد اسمه في وثيقة عثمانية من سجل رقم 562، تحت وصف "صاحب القبة قرب الفنار القديم"، مشيرة إلى زيارات البحارة لقبره طلبًا للبركة والسلامة
سيدي أحمد البلاطي (القرن الثالث عشر)
اسمه مشتق من كلمة "البلاط"، ويُظن أنه كان من الفقهاء القضاة الذين تحوّلوا إلى التصوف. اشتهر بضريحه المنيف الذي كان مزارًا للصيادين القادمين من غرب الإسكندرية، وكان الناس يربطون في قبابه خيوط الأمل قبل نزولهم إلى البحر.
ذكره محضر محكمة الإسكندرية، 1590م بأنه "الولي المدفون بجوار البرج الغربي". وتؤكد مخطوطة "تحفة الأحباب في أخبار أهل المرقى والباب" المحفوظة في مكتبة الأسكوريال على وجود وقف بحري باسمه. كما أن سجلات الأوقاف لعام 1421م تشير إلى وقف مخصص "لنجدة الغريق باسم الشيخ البلاطي"، مما يدل على مكانته الخاصة بين أهل البحر.
السيدة زينب البحرية (القرن الرابع عشر)
واحدة من أبرز النساء العارفات بالإسكندرية القديمة، تُلقَّب بـ"البحرية" لأنها كانت، حسب الروايات، تغتسل فجرا بماء البحر ثم تسقي الزائرات من ماء وضوئها لعلاج أمراض العيون.
كشف عنها مسح الرادار الأرضي لعام 2010 ببنية دائرية مطمورة في القسم الشرقي للقلعة يُعتقد أنها أساس قبتها. وتوثّق مخطوطة "أولياء النساء بالإسكندرية" سيرتها كـ"شافية العيون، الممدوحة على لسان الصالحات". وفي رواية شفوية للحاج محمد عبد الرحيم، سُجلت عام 2023، قال: "أمي كانت تروّح لها زمان، وكانوا يجيبو مَيّة من مطرحها للعيال العيانين".
سيدي يوسف البحراني (القرن الخامس عشر)
من شيوخ الطريقة البدوية بالإسكندرية، كان يُعرف بتعليم المريدين علوم الإشارة والرمز، وكان مجلسه البحري لا يغيب عنه التجار والملاحون والمجاذيب.
اسمه منقوش على حجر اكتُشف عام 1984، يعود إلى سنة 1452م، وُجد قرب السور الجنوبي. كما ورد اسمه في سجل سياحي عثماني عام 1588م باعتباره أحد المزارات الكبرى "التي يؤمّها المارّون قبل دخول الثغر".
أما مخطوط “الطرق الصوفية بالثغر”، فيؤكد انتسابه للطريقة البدوية، ويشير إلى علاقته بالشيخ خضرة العدوي، أحد مشاهير المجاذيب السكندريين
سيدي عبد الله المزاحم (القرن الثالث عشر)
آخر الأسماء، وأقلها ظهورًا. لم ترد عنه كرامات مشهورة، بل كانت له خلوة داخل الأسوار القديمة، ساد عنها الصمت منذ الحملة الفرنسية.
المرجع الوحيد لاسمه جاء في وثيقة محفوظة بالأرشيف الفرنسي تعود لعام 1798، تذكره بصفته "رجلًا مدفونًا في زاوية مسقوفة داخل أسوار الفنار القديم"، ثم اختفى ذكره من جميع السجلات بعد دخول القوات البريطانية عام 1801.
لماذا اختفت هذه الأضرحة؟
أول الأسباب هو الطمس المتعمد الذي قامت به الدولة العثمانية كما يظهر في وثائق القرن السادس عشر، حيث صدرت أوامر بإزالة الأضرحة المجاورة للمنشآت الدفاعية. ثانيها الإهمال الحديث، إذ بقي تقرير بعثة الآثار لعام 1984 حبيس الأدراج دون متابعة ميدانية أو مشروع استكشاف فعلي. أما السبب الثالث فهو التحولات العمرانية الكبرى، خاصة بعد توسعة القلعة في عهد محمد علي باشا سنة 1805، حين أعيد بناء السور وأزيلت كل المعالم الروحية المرتبطة بما كان يُسمى قديمًا بـ"تلال الأولياء"
وشدد الباحث مصطفى زايد على أن هذه الأسماء ليست مجرد مدفونين في باطن الأرض، بل هي أرواحٌ بحرية ما زالت تحوم على شاطئ الأنفوشي، ما زالت تزور موج الصباح، وتهمس في أذن كل صياد يخرج من الميناء دون أن يدري أن خطواته تطأ مقام وليّ كان ذات يوم يحرس المدينة كلها.