«طقوس سرّية بين الزائر والمزور». ما هي النذور عند الصوفية؟| الأشكال والشروط

تظل النُّذور عند الصوفية من الأمور التي كتب عنها كبار الأولياء والصالحين، ونرصدها من واقع المخطوطات التي تصفها بـ طقوس الهدية وميثاق المحبة، فما هي النذور وما هي أشكالها وشروطها؟
ما هي النذور عند الصوفية؟
في حضرة الأولياء وعتبات الصالحين، لا تُقَدَّم النذور بوصفها معاملة تجارية بين العبد والرب، بل تُرفع كأكاليل محبة، وإشارات عرفانية، تنتمي إلى أدبٍ روحي دقيق، أصلتهُ كتب القوم ومخطوطاتهم منذ القرون الأولى.
وليس "النَّذْر" عند أهل الله هو ذاته "النَّذر" الفقهي المعروف فحسب، بل توسّع الصوفية في دلالته حتى أصبح النُّزور عندهم فعلًا باطنيًّا، يشير إلى نية القلب، وحال السالك، وصدق الوصل.
المعنى الصوفي للنذور
جاء في مخطوطة "مرآة الأسرار" للشيخ العفيف التلمساني: "النُّذور لا يُنظر إليها بعين البدل، بل بعين الأدب، فهي مما يُعرب به الفقير عن مقام المحبة، فإن صدق حاله أُجيبت حاجته، وإن سها حاله كانت له كفارة غفلة."
وجاء في "شرح الحكم" للشيخ ابن عطاء الله السكندري: "النذر لا يكون إلا لله، ولكن ما يُقدَّم عند القبور من الأطعمة والشموع والطيب، إنما هو من جنس الهدايا، يُراد به التبرك والتوسل، لا العبادة لغير الله.
أشكال النُّذور في التراث الصوفي
أثبتت مخطوطات متعددة أن النُّزور الصوفية اتخذت أشكالًا متنوعة:
الخبز والسكر: وتُعدّ من أشهر ما يُنذر به، لاسيما في الحضرات الكبرى، كما ورد في مخطوطة "ديوان المزاوير" المنسوبة لأهل سيدي أبو الحسن الشاذلي.
الزيت والطيب: وهي نذور رمزية ترتبط بالنور والبركة، وكان يُؤتى بها لدواليب المشايخ وأضرحتهم، كما جاء في "حكايات الأولياء" للشيخ يوسف النبهاني.
الذهب والفضة: لا بمعناهما المادي فحسب، بل كرموز للتجريد، ويُشير بعض شراح "دلائل الخيرات" في نسخته المغربية العتيقة إلى أن بعض الفقراء كانوا ينذرون "خاتمهم" أو "حزامهم"، كإشارة لترك ما يشغلهم عن الحق.
شروط النُّذور عند الصوفية
جاء في مخطوطة نادرة بعنوان "أدب الزائرين":"ومن نذر نُذورًا فليكن من طيب الكسب، خالص النية، موجهًا إلى وجه الله، غير مستثقل ولا راجٍ به جزاء، فإنما النُّزور قناديل أسرار، تُضاء بصدق القاصدين."
وقد فرّق الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل بين "النذر الشرعي" و"نُزور القرب"، معتبرًا أن النُّزور في حضرة الأولياء إنما تكون فعلًا رمزيًّا دالًّا على استجابة القلب للنور المتجلي في حضراتهم.
كيف رد الصوفية الرد على المعترضين؟
كثيرًا ما تعرّض الصوفية لهجوم بسبب النُّزور، لكنهم ميّزوا بوضوح بين النية والذريعة. ففي ردٍّ للشيخ إبراهيم الدسوقي، نقله عنه حفيده الشيخ عبد الرحمن في كتابه "النفحات الدسوقية" :"من ظن أننا نأخذ من الناس ما يطعمنا، فقد جهل المقام، وإنّما الناس ينذرون ليفتح الله عليهم، ونحن لا نأخذ، بل نُوصي القائمين بالضريح أن يجعلوا ذلك للفقراء من بعدهم."
النُّذور بوصفها عهدًا روحيًّا
يقول الشيخ مصطفى زايد الباحث في التصوف، إن النُّذور عند الصوفية ليست عبئًا على الناس، بل شعيرة حب، وذكرى وصل، ومفتاح خفيّ في عالم الميثاق. هي طقوس سرّية بين الزائر والمزور، لا يفسدها إلا الرياء، ولا يرفعها إلا الصدق. وكل ما كُتب في المخطوطات يدلّ على أنها ليست للولي، بل لله عبر الولي.