الخلع في الشريعة والقانون| هل يعد طلاقًا أم فسخًا، ومتى تبدأ عدة المختلعة؟

ما هي عدة المرأة المختلعة؟ وهل يعتبر الخلع طلاقًا أم فسخا؟ وهل الخلع طلقة رجعية أم بائنة ؟ ومتى تبدأ عدة المختلعة؟، أسئلة أجاب عنها الشيخ السيد مرعي زاهر واعظ عام ، وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.
ما هي عدة المرأة المختلعة؟
وقال «مرعي» في بيان عدة المختلعة: اختلف الفقهاء على قولين:
القول الأول : عدة المختلعة كعدة المطلقة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب وهو قول سعيد بن المسيب، وسالم بن عبد الله، وعروة ، وسليمان بن يسار، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة ، وخلاس بن عمرو، وأبو عياض ، والليث ، والأوزاعي .
فإذا تم الخلع بعد العقد وقبل الدخول والخلوة فإنه لا عِدَّة عليها باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة .
وإذا تم الخلع قبل الدخول وبعد الخلوة الصحيحة فتجب عليها العدة كما قال جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة وهو قول الإمام الشافعي في القديم ، وروى ذلك عن الخلفاء الراشدين، وزيد، وابن عمر ، وبه قال عروة ، وعلي بن الحسين ، وعطاء ، والزهري ، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، والخلوة الصحيحة تكون باجتماعهما في مكان آمن مِن اطلاع الغير عليهما بغير إذنهما، وكان الزوج متمكِّنًا من الوطء بلا مانع حسيٍّ أو طَبْعيٍّ أو شرعيٍّ ؛ لأنَّ الخلوة الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة ؛ لكونها سببًا مفضيًا إليه ، فأقيمت مقامه احتياطًا ، إقامة للسَّبَب مقام الـمُسَبَّب فيما يحتاط فيه ، والاحتياط في باب الفروج واجب .
وإذا تم الخلع بعد الدخول، فتعتد ثلاثة قروء إن كانت تحيض أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض أو بوضع الحمل إن كانت حاملاً ، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في المذهب ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وسالم بن عبد الله ، وعروة ، وسليمان بن يسار ، وعمر بن عبد العزيز ، والحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، وقتادة ، وخلاس بن عمرو ، وأبو عياض ، والليث ، والأوزاعي .
أدلة عدة المختلعة في القرآن والسنة
وذلك لعموم الأدلة التي تشمل المطلقة والمختلعة:
قال الله تعالى: (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) .
وقال تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
القول الثاني: تعتد بحَيضة واحدة يستبرأ بها رحمها، وهي رواية عن أحمد، واختيار ابن المنذر وابن تيمية وابن القيم ، وهذا قول عثمان بن عفان وابن عمر وابن عباس، وأبان بن عثمان وإسحاق بن راهَوَيه. وذلك لحديث الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ بن عَفراء التي اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُمِرَتْ أن تعتدَ بحَيضةٍ .
وكذلك جميلةُ بنتُ عبد الله بن أُبيٍّ اختلعت من ثابِت بن قَيس بن شَمَّاسٍ ، فأمَرَها رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن تتربَّصَ حَيضةً واحِدةً فتَلحَقَ بأهلِها .
وشدد على أن المختار للفتوى هو مذهب جمهور الفقهاء أن عدة المختلعة كعدة المطلقة ؛ لأن الخلع طلقة بائنة ، فتعتد المختلعة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر أو بوضع الحمل ، وهذا هو الذي عليه الفتوى والمعمول به إفتاءً وقضاءً في مصر .
عدة المختلعة في القانون
موقف القانون المصري من عدة المختلعة قبل الدخول وبعد الخلوة الصحيحة : نَصَّت المادة الثالثة من موادِّ الإصدار للقانون رقم 1 لسنة 2000م على أنه: [ تَصْدُرُ الأحكامُ طِبْقًا لِقوانين الأحوال الشخصية والوقف المَعمُول بها ، ويُعمَلُ فيما لم يَرِدْ بشأنه نَصٌّ في تلك القوانين بِأرجَحِ الأقوال مِن مَذهب الإمام أبي حَنيفة] اهـ. وأرجح الأقوال مِن مَذهب الإمام أبي حنيفة وجوب العدة بالخلوة الصحيحة، وهذا يَقتضي أنَّ عِدَّةَ المختلعة من عقد زواج صحيح بعد خلوة صحيحة هي نفس عدة المطلقة .
هل يعتبر الخلع طلاقًا أم فسخا.. وهل الخلع طلقة رجعية أم بائنة؟
يقول في بيان هل الخلع طلاق أم فسخ؟، قولان للعلماء:
القول الأول: الفرقة الحاصلة بين الزوجين بسبب الخلع تعتبر طلاقًا بائنًا وليس بفسخ، وهذا مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية في الجديد، وهو المعمول به في مصر إفتاءً وقضاءً.
فالخلع طلقة بائنة، فإذا كان الخلع غير مسبوق بخلع أو طلاق أو كان مسبوقًا بخلع أو طلقة واحدة: فهو طلاق بائن بينونةً صغرى لا تعود فيه المرأة إلى زوجها إلا بعقد ومهر جديدين ، أما إذا كان الخلع مسبوقًا بطلقتين أو طلقة وخلع أو بخلعين: فهو طلاق بائن بينونة كبرى لا تحل فيه المرأة لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره زواجا شرعيا .
والدليل على ذلك أن الخلع ذُكِر بَيْن طلاقين فعُلِم أنَّه ملحق بهما ، قال الله تعالى : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) .
وكذلك لعموم قول الله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) ، وهذا يدل على عدم التفرقة بين الخلع والطلاق ، ويقتضي أن يكون الخلع طلاقًا . ولأن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سَمَّى الخلع طلاقًا ، فقد قال لامرأة ثابت بن قيس حينما أرادت أن تفارق زوجها : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم : اقْبَلِ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً .
استدل الإمام الشافعي بقوله تعالى : ( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ) ، إلى أن قال : ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ) [البقرة: 229] إلى أن قال : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) [البقرة: 230] ، فلو جعلنا الخلع طلاقًا صارت التطليقات أربعًا في سياق هذه الآية ، ولا يكون الطلاق أكثر من ثلاث ؛ ولأن النكاح عقد محتمل للفسخ حتى يفسخ بخيار عدم الكفاءة ، وخيار العتق ، وخيار البلوغ عندكم فيحتمل الفسخ بالتراضي أيضًا ، وذلك بالخلع ، واعتبر هذه المعاوضة المحتملة للفسخ بالبيع والشراء في جواز فسخها بالتراضي .
القول الثاني: قول السادة الحنابلة في الصحيح من مذهبهم ، وهو قول الإمام الشافعي في القديم ، والمروي عن ابن عباس رضي الله عنهما ، واختيار ابن تيمية والشوكاني ، أن الخلع فسخ ، لا يحتسب من الطلقات ، ولا ينقص به عدد الطلاق .
وشدد أن المختار للفتوى هو مذهب جمهور الفقهاء أن الخلع طلقة بائنة ، وهذا هو الذي عليه الفتوى والمعمول به إفتاءً وقضاءً في مصر ، وقد نَصَّ قانون الأحوال الشخصية المصري في المادة 20 مِن القانون رقم 1 لسنة 2000م على أنه : [ يقع بالخلع في جميع الأحوال طلاق بائن ] اهـ .
متى تبدأ عدة المختلعة؟
طلاق المختلعة، طلقة بائنة وليست رجعية، والذي عليه جماهير أهل العلم باستثناء الظاهرية أنه ليس في الخلع رجعةٌ ، سواءً قيل إن الخلع طلاقٌ أم فسخٌ .
تبدأ عدة المختلعة من تاريخ صدور الحكم الأول من المحكمة ؛ لأن حكم الخلع لا يستأنف .
المختلعة الحامل لها النفقة والسكنى أثناء العدة بالإجماع وذلك لقول الله تعالى : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) .
قال ابن قدامة : (وجملةُ الأمر : أن الرَّجُل إذا طلَّق امرأتَه طَلاقًا بائنًا ، فإما أن يكون ثلاثًا ، أو بخُلعٍ ، أو بانت بفَسخٍ ، وكانت حامِلًا - فلها النفقةُ والسكنى ، بإجماعِ أهلِ العلمِ ) ، المغني (8/232).
المختلعة غير الحامل لا نفقة لها كما قال الجمهور الفقهاء .