فاطمة بنت قيس القرشية.. الصحابية العالمة وصاحبة أشهر قصة طلاق فى الإسلام

تُعد فاطمة بنت قيس القرشية واحدة من الصحابيات الجليلات اللواتي تركن أثرًا واضحًا في التاريخ الإسلامي. لم تكن مجرد امرأة عادية؛ بل كانت عالمة فقيهة، وصاحبة رأي، اشتهرت بقصة طلاقها التي أصبحت مرجعًا فقهيًا في أحكام العدة والسكنى. كما أنها روت أحاديث مهمة عن النبي ﷺ، أبرزها حديث الجساسة الذي يتناول علامات الساعة. فما تفاصيل حياتها؟ ولماذا أثارت قصتها جدلًا فقهيًا استمر لعصور؟
نسب فاطمة بنت قيس ونشأتها
هي فاطمة بنت قيس بن خالد بن وهب بن ثعلبة، تنتمي إلى بني فهر، أحد بطون قريش في مكة المكرمة. نشأت في بيئة قرشية عريقة، وتميّزت بالفصاحة والذكاء والجمال.
أسلمت في وقت مبكر وكانت من أوائل النساء اللاتي بايعن النبي ﷺ، وشاركت بفاعلية في المجتمع الإسلامي، مما منحها مكانة مرموقة بين الصحابة.
إسلامها وهجرتها إلى المدينة
كانت فاطمة بنت قيس من النساء اللواتي استجبن سريعًا لدعوة الإسلام، رغم الأذى الذي تعرض له المسلمون الأوائل. بعد اشتداد الاضطهاد في مكة، هاجرت إلى المدينة المنورة، وهناك شاركت في دعم الدعوة ونقل العلم، لتصبح واحدة من رواة الحديث الذين نقلوا سنن النبي ﷺ بدقة وأمانة.
قصة طلاق فاطمة بنت قيس.. قضية فقهية خالدة
تعد قصة طلاق فاطمة بنت قيس واحدة من أشهر القضايا التي استند إليها الفقهاء في مسائل العدة والنفقة. فقد طلقها زوجها أبو عمرو بن حفص طلاقًا بائنًا، وأرسل إليها متاعها دون أن يوفر لها نفقة أو سكنى.
شكت فاطمة حالها للنبي ﷺ، فأخبرها:
"لا نفقة لكِ ولا سكنى." (رواه مسلم – حديث رقم 1480).
أمرها النبي ﷺ في البداية أن تعتد في بيت أم شريك، لكنها كانت تستضيف الكثير من الناس، فوجهها إلى بيت ابن أم مكتوم، لأنه كان أعمى، مما يُتيح لها التحرك بحرية دون أن يراها أحد.
زواجها من أسامة بن زيد بعد انتهاء عدتها
بعد انتهاء عدتها، تقدم لخطبتها عدد من الصحابة، من بينهم:
معاوية بن أبي سفيان: لكنه كان شابًا فقيرًا آنذاك.
أبو جهم: لكنه كان شديدًا في معاملة النساء.
نصحها النبي ﷺ بالزواج من أسامة بن زيد رغم صغر سنه، قائلًا:
"انكحي أسامة."
استجابت فاطمة لنصيحة النبي ﷺ، وكان زواجها من أسامة بن زيد موفقًا ومليئًا بالبركة.
مكانتها في رواية الحديث الشريف
كانت فاطمة بنت قيس من رواة الحديث الثقات الذين نقلوا سنن النبي ﷺ بدقة. وقد روى عنها كبار الصحابة مثل عبد الله بن عباس وأبو هريرة. ومن أبرز الأحاديث التي روتها:
١.حديث الجساسة: يتناول علامات الساعة وظهور الدجال، وهو حديث طويل رواه الإمام مسلم في صحيحه.
٢.حديث الطلاق والعدة: الذي أصبح مرجعًا في مسألة نفقة المطلقة وسكنها.
الجدل الفقهي حول حكم نفقة وسكنى المطلقة
رغم وضوح حديث فاطمة بنت قيس، إلا أن الفقهاء اختلفوا في تفسيره وتطبيقه:
١.رأي الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة):
يرون أن المطلقة طلاقًا بائنًا تستحق السكنى إذا كانت حاملًا، مستندين إلى قوله تعالى:
"أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ" (سورة الطلاق: 6).
٢.الحنفية:
أوجبوا السكنى للمطلقة في جميع الأحوال.
٣.الظاهرية وبعض المحققين:
أخذوا بظاهر حديث فاطمة، وقالوا: لا نفقة ولا سكنى للمطلقة طلاقًا بائنًا.
الدروس المستفادة من قصة فاطمة بنت قيس
تقدّم قصة فاطمة بنت قيس دروسًا قيّمة لكل مسلم ومسلمة، منها:
١.الرجوع إلى الكتاب والسنة:
أهمية الاعتماد على النصوص الشرعية في الفصل بين القضايا.
٢.حرية المرأة في اختيار الزوج:
حق المرأة في قبول أو رفض الزواج بناءً على مصلحتها الشخصية.
٣.مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي:
لعبت النساء دورًا محوريًا في نقل العلم وتوضيح الأحكام الشرعية.
وفاة فاطمة بنت قيس وإرثها العلمي
لم يُحدد تاريخ وفاة فاطمة بنت قيس بدقة، لكنها عاشت إلى زمن الخلفاء الراشدين، وظل إرثها العلمي حيًا عبر رواية الأحاديث التي أثرت بشكل كبير في الفقه الإسلامي.
لماذا تُعد فاطمة بنت قيس نموذجًا يُحتذى به؟
تُجسد فاطمة بنت قيس نموذجًا للصحابية العالمة التي جمعت بين العلم والشجاعة والفصاحة. فهي مثال حي على تمكين المرأة في الإسلام، ودورها في نشر العلم والدفاع عن حقوقها.
تبقى قصتها شاهدًا خالدًا على أهمية الالتزام بالسنة النبوية، ودور المرأة الفاعل في بناء المجتمع الإسلامي.