هل يجوز المسح على الأكمام في الوضوء بدلا من غسل اليدين؟ الإفتاء توضح

تزداد التساؤلات بين المسلمين حول بعض أحكام الطهارة المرتبطة بالوضوء، ومن أبرزها: هل يجوز المسح على الأكمام بدلًا من غسل اليدين حتى المرفقين؟ وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية غسل اليدين إلى المرفقين من أركان الوضوء التي لا يصح إلا بها، ولا يُجزئ الاكتفاء بالمسح على الأكمام، وذلك لما ورد من نصوص صريحة توجب الغسل، مع عدم ورود رخصة تبيح المسح على الأكمام رغم وجود ما يدعو إلى ذلك أحيانًا من مشقة أو برد ونحوه.
فإن تعذر استعمال الماء لعذر شرعي، جاز التيمم عوضًا عن الوضوء. وإن كان قادرًا على غسل بعض الأعضاء دون غيرها، وجب عليه غسل ما لا يتضرر من بدنه، ويتيمم عن الباقي، مع مراعاة الترتيب والموالاة بين الأعضاء على قدر المستطاع
الوضوء شرطٌ لصحة الصلاة
استقرّ الحكم الشرعي على أن الوضوء يُعَدُّ شرطًا لازمًا لصحة الصلاة، فلا تُقبل صلاةٌ بلا طهارة. وقد دلَّ على ذلك قول الله تعالى في محكم كتابه:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6].
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تُقْبَلُ صَلاةُ مَن أَحْدَثَ حتّى يَتَوَضَّأَ» (رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه).
وقد نقل الإمام النووي الشافعي في “شرح صحيح مسلم” إجماع الأمة الإسلامية على عدم جواز الصلاة بلا طهارة، سواء كانت الطهارة بالماء أو بالتراب (في حال التيمم)، وسواء تعلّق الأمر بالفرائض أو النوافل.
فرائض الوضوء
اتفق الفقهاء على أن أركان الوضوء التي لا يصح إلا بها تشمل غسل الوجه واليدين والرجلين، ومسح الرأس، وذلك امتثالًا للآية الكريمة والأحاديث الصحيحة التي تبين صفة وضوء النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن الأحاديث الدالة على ذلك ما رواه حمران عن عثمان رضي الله عنه: أنه توضأ فأكمل غَسْل أعضائه على الترتيب المعروف، ثم قال: “رأيتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: «من توضأ مثل وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يُحدِّث فيهما نفسه بشيء، غُفِر له ما تقدم من ذنبه»” (متفق عليه).
غسل اليدين إلى المِرفقَين من فرائض الوضوء
ومن بين الفروض التي اتفق عليها العلماء: وجوب غسل اليدين إلى المرفقين، ولا يُجزئ المسح عنهما. وهذا مستند إلى ظاهر الآية الكريمة، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لم يُنقل عنه قط أنه اكتفى بالمسح على اليدين في أي حال من الأحوال، رغم ورود العذر في بعض المواقف، مثل البرد أو ضيق الثوب، كما رُخِّص في المسح على الخفين دون سواهما.
قال العلامة ابن عابدين في “رد المحتار” : “انعقد الإجماع على وجوب غسل اليدين والرجلين، وعلى أن المرفقين والكعبين داخلان في الغَسل، لا في المسح”.
وذكر المواق في “التاج والإكليل”: “غسل اليدين إلى المرفقين من فرائض الوضوء”.
وأكد الإمام النووي في “منهاج الطالبين” أن العلماء مجمعون على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين واستيعابها بالغسل.
ونقل ابن قدامة الحنبلي في “المغني” إجماع العلماء على وجوب غسل اليدين إلى المرفقين، وبيّن أن المرفقين داخلان في الغَسل، لا خلاف في ذلك.
حُكم المسح على الأكمام أثناء الوضوء
وبناءً على ما سبق، فإن المسح على الأكمام لا يُجزئ بدلًا من غسل اليدين، لأنه مخالف لنصوص الشرع وأركان الوضوء.
وقد ورد في “الصحيحين” عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد الوضوء وكان كُمُّ جُبَّته ضيّقًا، لم يَمسح على كُمَّيه، بل كشف ذراعيه وأخرج يديه من تحت الجبة، وغسلهما.
والدلالة من الحديث أن المسح إنما شُرع فيما يُلبس على الرأس (كالعمامة) أو القدمين (كالخفين)، أما الأكمام، فلا رخصة فيها.
كما أن القياس على المسح على الخفين غير جائز، لأن هذا المسح رخصة مخصوصة، والرخص لا يُقاس عليها؛ لأنها استثناء من القاعدة العامة، والقياس عليها يُفضي إلى مخالفة الأصل، وهو أمر غير مقبول شرعًا.
التيمم بدلًا من غسل اليدين عند العذر
وإذا تعذّر استعمال الماء لغسل اليدين، سواء لشدة البرد، أو لمرض، أو لخوف الضرر، أو لأي عذر معتبر، ولم يكن لديه وسيلة لتسخين الماء أو تجاوز الضرر، فله أن يلجأ إلى التيمم بدلًا من الوضوء.
أما إذا كان قادرًا على غسل بعض الأعضاء دون بعض، فعليه أن يغسل ما يستطيع دون ضرر، ويتيمم عن باقي الأعضاء، ملتزمًا بالترتيب والموالاة بين الأعضاء، تطبيقًا للقاعدة الفقهية: “الميسور لا يسقط بالمعسور”