دار الإفتاء: الرضا بقدر الله يعين الإنسان على الاستقرار النفسي

إن الشعور باليأس، والإحباط، والجزع، والسخط من أقدار الله لا يغيّر من الواقع شيئًا، بل يزيد القلب تعبًا والنفس توترًا، والرضا عن قضاء الله هو خير للعبد في الدنيا والآخرة.
قالت دار الإفتاء المصرية إنه لا ينبغي للمسلم أن يكون جُلَّ همِّه أن يسعى لتحصيل لذائذ الدنيا والتَّمتُّع بما فيها من شهوات، بل عليه أن يكتفيَ من المتع التي أحلَّها الله له بالقدر المعقول والمشروع الذي به يتحقَّقُ ما يحتاجه من الضرورات والحاجيات والتحسينيات التي بها يستمر في هذه الحياة، وتمده بالطَّاقة والسَّعة والقدرة على أداء واجباته في هذه الحياة دون مشقَّةٍ أو عَنَتٍ.
أضافت دار الإفتاء وأفضل ما يعين الإنسان على الاستقرار النفسي أن يرضى ويَقْنَع بما قسمه الله له، ولا يتطلع لما في أيدي الناس؛ فالله سبحانه وتعالى قَدَّرَ المقادير، ورزق كلَّ إنسانٍ بقدرٍ معيَّن، وضمن له الحصول على هذا الرِّزق، وطلب منه السَّعيَ في الأرض وعمارتِها وأداء الواجبات والتَّكاليف، وهذا ما سيُحاسَبُ عليه في الآخرة، فعلى الإنسان أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويُوَجِّه طاقته التي منحه الله إياها لأداء الواجبات والتكاليف وتعمير الكون، فهذا سرُّ سعادة الإنسان؛ قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [هود: 6]، وقال جلَّ شأنه: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [يونس: 107]، وقال أيضًا: ﴿مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [فاطر: 2].
يقول الدكتور هاني تمام أستاذ الفقه بجامعة الأزهر أن كثيرًا من الناس إذا تأخرت عليهم الأمور أو لم تحدث كما تمنّوا، يضيقون صدرًا ويسخطون على أقدار الله، في حين أن هذا السخط لا يبدّل شيئًا مما كتبه الله، بل يجعل الإنسان يعيش في دوامة من الضيق الداخلي دون أي تغيير خارجي، لأن ما أراده الله سيكون، سواء رضي العبد أم سخط، كما أن السخط يُذهب الأجر ويُورث الحسرة.
الأخذ بالأسباب
وأكد الدكتور تمام أن المسلم الواعي هو من يأخذ بالأسباب، ويجتهد في ما يستطيع، ثم يستسلم بعد ذلك تمامًا لحكم الله وقدره، وهو على يقين أن النتيجة مهما كانت فهي خيرٌ له، سواء جاءت على هيئة ما كان يرجوه، أو جاءت مختلفة لأن الله اختار له ما فيه صلاحه.
الكلمة تفتح أبواب الأمل
وأضاف أن الطمأنينة لا تأتي من تحقيق النتائج فقط، بل من الثقة في حكمة الله واختياره، مشيرًا إلى أن بعض الشدائد لا تُحتمل إلا حين يستحضر العبد في قلبه أن من قدّرها هو الله، وأنه سبحانه حكيم خبير، فقال الإمام ابن عطاء الله السكندري رحمه الله: "ليخفف ألم البلاء عنك علمك بأن الله هو المبلي لك، فالذي واجهتك منه الأقدار هو الذي عودك حسن الاختيار".