الطرق الصوفية: مالك بن أنس رائد الفقه المالكي وصاحب الموطأ (فيديو)

يُعد الإمام مالك بن أنس، مؤسس المذهب المالكي وأحد الأئمة الأربعة الكبار في الفقه الإسلامي، نموذجًا فريدًا في تاريخ الفقه والاجتهاد، حيث تميز بورعه وزهده وعلمه الغزير ونشأ في المدينة المنورة في بيئة علمية خصبة، مما أسهم في تكوينه العلمي منذ صغره.
حلقات الفقه
وفي هذا السياق، أكد الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، خلال حديثه في برنامج "أهل المحبة" المذاع على قناة الناس، أن الإمام مالك وُلد عام 93 هـ، ونشأ في ظل رعاية والدته العالية بنت شريك، التي شجعته على طلب العلم، فوجهته إلى حلقات الفقه والحديث بدلاً من الانشغال بالحرف والمهن.
وتلقى الإمام تعليمه على يد كبار علماء المدينة، ما جعله مرجعًا علميًا بارزًا دون الحاجة إلى السفر لطلب الحديث، إذ كانت المدينة المنورة حينها منارة للعلم الشرعي.
موسوعة حديثية فقهية
يُعد كتاب الموطأ أحد أبرز إنجازات الإمام مالك، حيث جمع فيه بين الحديث الشريف والفقه الإسلامي في تصنيف فقهي دقيق، فضمّ أكثر من ألف حديث صحيح مُرتب وفق الأبواب الفقهية، ليكون مرجعًا للفقهاء والمحدثين على مر العصور. وقد طلب الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور من الإمام مالك أن يُصبح الكتاب دستورًا فقهيًا موحدًا للمسلمين، لكنه رفض قائلاً: "لا تجعل الناس على قول واحد، فقد سبقتهم أقاويل وسمعوا أحاديث وأخذ كل قوم بما وصل إليهم".
ورغم هذا، فقد حظي الموطأ بمكانة كبيرة بين كتب الحديث، وإن كانت منزلته موضع خلاف بين علماء المشرق والمغرب؛ حيث اعتبره علماء المغرب سادس الكتب الستة لصحة أحاديثه، بينما رأى علماء المشرق أن سنن ابن ماجه أولى بهذه المرتبة نظرًا لاحتوائه على زوائد لم ترد في الكتب الأخرى.
زهد الإمام مالك
إلى جانب مكانته العلمية، عُرف الإمام مالك بتقواه وورعه، فقد كان شديد الاحترام لمدينة رسول الله ﷺ، حتى أنه لم يكن ينتعل فيها تكريمًا للأرض التي تحتضن جسد النبي الكريم. كما كان رجلاً زاهدًا، كثير الصيام والقيام، مخلصًا في طلب العلم وتعليمه حتى آخر أيامه. وافته المنية عام 179 هـ ودُفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة.

تأثيره على الأئمة
واختتم الدكتور محمد أبو هاشم حديثه بالإشارة إلى أن سيرة الإمام مالك تقودنا للحديث عن أبرز تلاميذه، وعلى رأسهم الإمام الشافعي، الذي سيُفرد له حديثًا خاصًا، نظرًا لما له من دور بارز في تطور الفكر الفقهي الإسلامي.
ويظل الإمام مالك أحد أعمدة الفقه الإسلامي، تاركًا إرثًا علميًا غزيرًا، لا يزال أثره ممتدًا في العالم الإسلامي حتى اليوم.