عاجل

الصواريخ الإيرانية تكشف هشاشة أنظمة الدفاع الإسرائيلية.. رغم "القبة الحديدية"

أنظمة الدفاع الاسرائيلية
أنظمة الدفاع الاسرائيلية

لطالما تفاخرت إسرائيل طويلاً بمنظومتها الدفاعية متعددة الطبقات التي تضم القبة الحديدية، ومقلاع داوود، والسهم (آرو)، إضافة إلى نظام ثاد الأمريكي، بتمويل مشترك مع واشنطن. 

لكنها شهدت أخيراً فجوة أمنية واضحة عندما تمكنت إيران من إطلاق موجة ضخمة من الصواريخ والطائرات المسيرة على إسرائيل، وأظهرت المشاهد سقوط عشرات منها وسط تل أبيب، تاركة وراءها قتلى، جرحى، وأضرار مادية كبيرة.

القبة الحديدية الإسرائيلية: الكونغرس الأمريكي يوافق على منح مليار دولار  لدعم منظومة الصواريخ - BBC News عربي
 القبة الحديدية

 القبة الحديدية: 

تعد مهمتها الأساسية هي التصدي للصواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، كما تعمل برادارات متطورة تُقيّم أهدافًا وتتحكم بقاذفات لإسقاطها قبل وصولها.

وبالرغم من تصدي النظام لبعض القذائف، إلا أن عشرات الصواريخ اخترقت سماء تل أبيب أو سقطت داخلها، ما يثير الأسئلة حول قدرة النظام على مواجهة الضربات وضعف التزامن بين الكشف والتشغيل.

غزة: ما هو مقلاع داوود الذي تعول عليه إسرائيل للتصدّي للصواريخ المنطلقة من  القطاع؟ - BBC News عربي
“مقلاع داوود”

“مقلاع داوود”: 

يُعد "مقلاع داوود" (David’s Sling)، المعروف أيضًا بـ"العصا السحرية"، أحد أبرز ركائز منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وقد جرى تطويره لمواجهة التهديدات متوسطة المدى، التي تتراوح بين 70 إلى 300 كيلومتر، مثل صواريخ "فاتح 110" الإيرانية والصواريخ السورية من عيار 302 ملم. 

ورغم ما يتمتع به من دقة تقنية عالية وقدرات متقدمة في اعتراض الصواريخ ذات الرؤوس الحربية الثقيلة، إلا أن التجربة العملية كشفت عن هشاشة أدائه أمام هجمات معقدة ومركّبة كالتي نفذتها إيران مؤخراً. فهذا النظام، الذي أُنجز بتمويل مشترك من الولايات المتحدة وإسرائيل خلال الفترة من 2008 إلى 2020 وبتكلفة مليارية، فشل في التصدي الكامل للموجات المتزامنة من الصواريخ الدقيقة التي استهدفت العمق الإسرائيلي. تعود هذه الثغرات إلى محدودية قدرته على التعامل مع الأهداف في "الزمن الحقيقي"، حيث يتطلب النظام تحليلاً سريعاً ومعالجة تكتيكية آنية قد تتعثر حين يواجه وابلاً من الصواريخ المتعددة في وقت قصير. 

كما أظهرت التجربة صعوبة اعتراض الرؤوس الحربية التي تتحرك بسرعات عالية أو تلك المزوّدة بمناورات مراوغة متقدمة، ما جعل "مقلاع داوود" يقف فعليًا بين مطرقة التصعيد الإقليمي وسندان العجز التقني في مواجهة خصم يستخدم تكتيكات هجومية ذكية تعتمد على التشويش والتشبع الميداني. ورغم تاريخه المشرف في التجارب المعملية، إلا أن الميدان كشف أن "العصا السحرية" قد لا تكون دائماً سحرية حين يشتدّ الخطر.

ألمانيا تتسلم أولى مكونات نظام الدفاع الإسرائيلي "آرو 3" | مصراوى
نظام “آرو” 

نظام “آرو” 

يمثل نظام "آرو" (بنسختيه آرو 2 وآرو 3) حجر الزاوية في الدرع الصاروخي الإسرائيلي، وقد جرى تصميمه ليكون بمثابة الحاجز الأخير أمام التهديدات الباليستية بعيدة المدى، عبر تدمير الصواريخ في مرحلة تحليقها خارج الغلاف الجوي، قبل أن تدخل الأجواء الإسرائيلية. 

هذا النظام، الذي تم تطويره بشراكة استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي، يتألف من شبكة قيادة وتحكم معقدة، تشمل رادارات إنذار مبكر، ومنظومات تتبع متزامنة، وصواريخ اعتراضية مخصصة للتصدي للتهديدات ذات القدرة التدميرية العالية مثل صواريخ "شهاب" و"قيام" الإيرانية. 

نقاط ضعف النظام

ورغم ما يحيط به من هالة تقنية متقدمة، كشفت التجربة الواقعية أثناء الهجمات الإيرانية الأخيرة عن نقاط ضعف مقلقة. فقد أظهر النظام تأخراً في التفاعل مع بعض الأهداف، لا سيما تلك التي انطلقت على شكل أسراب مركبة، مما أربك قدراته الحسابية والتنسيقية، وأدى إلى تسرب بعض الرؤوس الحربية إلى العمق الإسرائيلي. 

وفي حين يُفترض أن تكون سرعة الصاروخ الاعتراضي، وخاصة "آرو 3"، كفيلة بإسقاط التهديد قبل أن يقترب من حدود الأمان، إلا أن العمليات الحية بيّنت خللاً في التنبؤ بمسار الصواريخ المتقدمة متعددة الرأس أو القادرة على المناورة. الأسوأ من ذلك أن هذه الفجوة لم تكن فقط تقنية، بل كشفت عن إخفاق في الحفاظ على توازن الردع الاستراتيجي، حيث إن عدم قدرة "آرو" على التعامل الكفء مع سيناريو تشبع ناري مكثف، عرّض إسرائيل لفقدان ثقة داخلية وخارجية في أسطورة تفوقها الدفاعي. 

الولايات المتحدة تنقل نظام ثاد إلى إسرائيل وسط تهديدات بشن هجمات صاروخية -  موقع الدفاع العربي
نظام "ثاد"

نظام "ثاد": العملاق الأمريكي الذي تكلّف كثيرًا وأصاب قليلاً

يُعدّ نظام "ثاد" (THAAD - Terminal High Altitude Area Defense) أحد أكثر منظومات الدفاع الصاروخي تطوراً في الترسانة الأمريكية، وقد نُشر في إسرائيل في إطار الدعم الدفاعي الاستراتيجي، خاصة لمواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية الإيرانية بعيدة المدى. يقوم "ثاد" على مبدأ الاعتراض الحركي، أي تدمير الهدف المعادي بصاروخ لا يحمل رأساً حربياً، وإنما يعتمد على السرعة الفائقة والطاقة الحركية للارتطام المباشر بالصاروخ المهاجم، ما يضمن تفجيره في مرحلة عليا من طيرانه، خارج أو على أطراف الغلاف الجوي. 

غير أن هذه التقنية، رغم دقتها النظرية، أثبتت قصوراً في الواقع الميداني. ففي الهجمات الإيرانية الأخيرة، لم يتمكن "ثاد" من التصدي الكامل للموجات المتزامنة من الصواريخ الدقيقة، إذ بدا واضحاً أن النظام يعاني من بطء في إعادة التهيئة بين الضربات، ما جعل كفاءته في الاعتراض المتتالي محدودة مقارنة بحجم التهديدات. 

إلى جانب ذلك، تبرز المشكلة الكبرى في تكلفته التشغيلية الباهظة: فبطارية واحدة من "ثاد" تتجاوز قيمتها مليار دولار، وتحتاج إلى أكثر من 100 فرد لتشغيلها، ما يجعله نظاماً عالي الاعتماد على البنية البشرية والتقنية المعقدة، وهو أمر لا يتلاءم مع بيئة اشتباك تتطلب ردود فعل خاطفة ومرونة تشغيلية. وقد كشفت هذه التجربة أن "ثاد"، رغم تفوقه النظري، لا يزال نظاماً منفصلاً عن دينامية المواجهة متعددة الطبقات، وغير قادر وحده على امتصاص الضربات الإيرانية المركبة التي جمعت بين صواريخ باليستية ومسيرات منخفضة الارتفاع. باختصار، فإن "ثاد" بدا في هذه الجولة أقرب إلى درع ثمين، لكنه ثقيل الحركة، ينهكه الاستنزاف، ويكشف بذلك عن فجوة استراتيجية في التوازن الدفاعي الإسرائيلي – الأمريكي أمام حرب الصواريخ الذكية.

الصواريخ الإيرانية تكشف هشاشة النظام الدفاعي الإسرائيلي

هذه الهجمات الإيرانية لا تعد "اختبارًا تكتيكيًا" مؤقتًا بعد الآن؛ بل كاشفة عن هشاشة النظام الدفاعي حتى وإن كان متفوقًا تقنيًا على الورق. إن اختراق الدفاعات متعددة الطبقات يفرض على إسرائيل:

  • إعادة هيكلة كاملة للدرع المتعدد لتوفير مرونة فائقة في التكامل.
  • استثمار فوري في قدرات دفاعية أوسع نطاقًا وأقل تكلفة وخلايا ميدانية متجانسة.

 

تم نسخ الرابط