القادم أصعب.. محمد علي خير: جريمة الإقليمي صرخة استغاثة من فقراء ومهمشي الوطن

علق الكاتب والإعلامي، محمد علي خير، على الحادث الأليم الناتج عنه رحيل 19 من بنات قرى مركز منوف بمحافظة المنوفية، إثر إصطدام سيارة نقل ثقيل بسيارة ميكروباص أثناء ذهبهم للعمل بمدينة السادات، موجها عدة أسئلة تخص الحادث.
وكتب محمد علي خير على صفحته الشخصية عبر منصة "فيسبوك": "منذ أن قرأت خبر مصرع 19 طفلة صباح اليوم وهن يبحثن عن لقمة العيش..والقلب موجوع..عندي كلام كتييير بس مبقاش منه فايدة..لله الأمر..الحادثة مرعبة..مروعة ..تفضح عن كوارث كثيرة..وتطرح عشرات الأسئلة:
1= من الشركة المنفذة لهذا الطريق..وكيف تمت عملية استلام الطريق منها؟
2= أين محافظ المنوفية وقيادات المحافظة من متابعة هذا الطريق؟
3= أين نواب البرلمان عن محافظة المنوفية؟
4= يعني ايه مصنع او مزرعة يستغل فقر طفلة ويشغلها ب 120 جنيها في اليوم..اذا لم تكن هذه هي النخاسة والعبودية في أحط صورها..فماذا تكون؟
5 = هل تعلم الحكومة أن الحد الأدني للأجور لايتم تطبيقه ع الأرض وأنه فنكوش كبير؟
6= لو جرت هذه الحادثة في طريق الساحل الشمالي ..لاقدر الله..كيف سيكون رد فعل كل أجهزة الدولة؟
7= لماذا لم يحضر كبار رجال الحكومة مراسم تشييع جنازات هؤلاء الأطفال للتخفيف عن أهاليهم؟
8= طفلة تعمل في غير سن العمل..معناه..أنها تنفق علي أسرتها الفقيرة..ماذا فعلت وستفعل الدولة مع مساحات الفقر المتسعة في بلدنا؟
القضية ليست اهمال وفساد فقط..أو غياب ضمير..بل أكبر من ذلك..
هذه الجريمة المروعة التي جرت صباح اليوم هي صرخة استغاثة من فقراء ومهمشي هذا الوطن..لابد من انتباه..ودراسة ماجري..وإلا فالقادم أصعب".
كان صباحا هادئا في قرى مركز منوف بمحافظة المنوفية، أصوات الأمهات توقظ بناتهن، وضوء الشمس يزحف ببطء على الطرق الموت، كل شيء بدا طبيعيا في ذلك اليوم، إلى أن تحول اليوم الهادئ إلي تاريخ حزين على كل أهالي المنوفية.
حادث ضحايا المنوفية
في الساعة السابعة صباحا، استقلت 18 فتاة ميكروباصا صغيرا، متجهات إلى عمل يومي شاق في مزارع العنب، كن يخرجن كل يوم من بيوتهن الصامتة، يركضن وراء لقمة حلال تساعد أسرهن في المعيشة أو في تجهيز أنفسهن للزواج أو لإكمال دراستهن، لم تكن هذه المرة مختلفة، هكذا ظن الجميع، أن اليوم سيمر مثلما مرت أيام كثيرة قبله.
لكن الطريق الإقليمي كان في انتظارهن، شاحنة نقل ثقيل، مسرعة بلا رحمة، اصطدمت بسيارة الميكروباص أمام قرية مؤنسة بمركز أشمون، دقائق معدودة كانت كفيلة بتحويل الحلم إلى كابوس، والسيارة إلى تابوت جماعي.

رويدا تلبس الكفن بدل الفستان
رويدا خالد، فتاة تبلغ من العمر 23 عاما، كانت تستعد لحفل زفافها بعد أسبوعين فقط، حيث أنهت دراستها حديثا، وبدأت تعمل لتخفف العبء عن والدها، كانت تحفظ كل قرش، تحلم بيوم ترتدي فيه فستانها الأبيض، وتمشي بين أحبابها عروسا.
لكنها عادت إلى قريتها كفر السنابسة محمولة على الأكتاف، ملفوفة في الكفن الأبيض، بينما خطيبها "أحمد" يبكي بحرقة، يحمل النعش بدلا من يدها، وكانت آخر كلماتها على مواقع التواصل كانت دعاء:أتممت عاما بالخمار.. اللهم ثبتني عليه حتى لقائك، وكأنها كانت تكتب وصيتها.
هدير كانت تريح أمها فارتاحت إلى الأبد
هدير عبدالباسط، 19 عاما، طالبة بمعهد التمريض، غادرت منزلها صباح الجمعة، وقالت لوالدتها: إنتي ريحي النهاردة، وأنا هروح مكانك.. مصاريفي كتير ولازم أساعدك.
كانت هدير مثل كثيرات غيرها، كانت تعرف معنى المسؤولية، وتحلم بمستقبل تنقذ فيه الأرواح كممرضة. لكن لم تكن تعلم أن روحها ستكون أول ما ينتزع في طريق بلا أمان.
فتيات الحلم المكسور
كل واحدة من الضحايا كانت تحمل قصة وحلما لم يحقق بعد، فكانت ميادة تخطط لدخول الجامعة، اية زغلول كانت تحب الرسم وتزين دفاتر صديقاتها، جنى يحيى كانت أصغرهن، تحلم فقط بحذاء جديد، وشيماء، ومروة، وسمر، وسارة، وضحى كلهن وجوه بريئة انتهت فجأة.
وهناك حيث مستشفيات قويسنا والباجور وسرس الليان وأشمون، تكدست الجثامين، الأهالي في ذهول، صراخ الأمهات يخترق جدران الصمت، ولا أحد يعرف ما يقول، فالكلمات لا تصف الألم.

موكب جنائزي مهيب وقلوب مكسورة
خرجت القرى كلها تودع بناتها، لم تكن جنازات متفرقة، بل موكبا جنائزيا طويلا، ففي الصفوف الأمامية، خطيب رويدا يمسك بنعشها، والد هدير يضع يده على قلبه، يتألم في صمت، و الأمهات منهارات، والرجال يبكون كالأطفال، وكأن القدر قرر أن تدفن الأحلام دفعة واحدة.