مع دخول العام الهجري الجديد..لماذا ذهب النبي إلى غار ثور في الهجرة؟ العلماء يو

من بين المحطات الخالدة في السيرة النبوية، تظلّ لحظة الهجرة من مكة إلى المدينة حدثًا مفصليًا، ليس في تاريخ الإسلام فحسب، بل في تاريخ البشرية جمعاء. وقد شهد هذا الحدث العديد من التفاصيل الدقيقة والمواقف التي تعكس عظمة التخطيط الإلهي وحكمة النبي محمد ﷺ، ومن أبرزها اختياره لغار “ثور” كمخبأ مؤقت في بداية رحلة الهجرة. والسؤال الذي يتكرر كثيرًا: لماذا ذهب النبي إلى غار ثور تحديدًا؟
في ظاهر الأمر، قد يبدو التوجه إلى غار يقع جنوب مكة، في الاتجاه المعاكس تمامًا لطريق الهجرة المعتاد إلى المدينة المنورة (التي تقع شمال مكة)، تصرفًا غريبًا، لكن عند التأمل في التفاصيل، يتضح أن هذا القرار كان جزءًا من خطة محكمة ومدروسة، اختلطت فيها الأسباب البشرية بالتدبير الإلهي.
أين يقع غار ثور:
يقع غار ثور في جبل يُعرف بنفس الاسم، ويبعد عن مكة قرابة 4 كيلومترات، وقد مكث فيه النبي ﷺ وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثلاثة أيام، قبل أن يكملا المسير إلى المدينة. وكان هذا الغار بمثابة “منطقة عسكرية آمنة”، بعيدًا عن الأنظار، لا يتوقع أحد أن يختبئ فيه من يسلك طريق الهجرة.
اختيار الغار لم يكن عشوائيًا، بل يعكس عبقرية التخطيط النبوي. فباتجاه النبي ﷺ جنوبًا في البداية، أربك قريش التي كانت تبحث في الطرق المعتادة المؤدية شمالًا. وهذا ما يؤكده ما ورد في السيرة النبوية من أن قريشًا حين وصلت إلى باب الغار وكادت تراه، صرفها الله بمعجزة، حتى قال أبو بكر للنبي: “لو نظر أحدهم إلى موضع قدميه لرآنا”، فرد عليه النبي ﷺ بكلمات خلدها التاريخ: “ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟” [رواه البخاري].
وكان أبو بكر قد سبق النبي إلى الغار، ورتب المكان، وسدّ الشقوق، ورافقه في التخفي. كما شاركت الأسرة في خطة التمويه؛ فكانت أسماء بنت أبي بكر تنقل الطعام، وعبد الله بن أبي بكر ينقل أخبار قريش، وكان عامر بن فهيرة يرعى الغنم ليغطي آثار الأقدام.
وقد بيّن العلماء أن اتخاذ النبي ﷺ لغار ثور كان نموذجًا للتوكل الحقيقي على الله، المقرون بالأخذ بالأسباب. فلم يعتمد النبي على المعجزة، رغم أنه كان ممكنًا أن يهاجر في وضح النهار دون أن يُمسّ، لكنه ﷺ علّم الأمة درسًا بليغًا: أن التخطيط والحيطة لا ينافيان الإيمان، بل هما من تمامه.
وهكذا، تحوّل غار ثور إلى رمز في الذاكرة الإسلامية، يروي قصة شجاعة وحنكة وإيمان، ويذكّر المسلمين بأن الله ينصر أولياءه مهما اشتدت الظلمات، وأن من يتوكل على الله فهو حسبه