هل يمكن العيش أطول؟.. دراسة تكشف فعالية عقار ضد الشيخوخة

في تطور علمي لافت قد يفتح آفاقًا جديدة لفهم آلية الشيخوخة وربما التحكم بها، كشفت دراسة تحليلية موسعة نُشرت في دورية "Aging Cell" عن نتائج واعدة لعقار "راباميسين"، الذي يُستخدم طبيًا كمثبط للمناعة، في قدرته على إطالة عمر الكائنات الحية بشكل يقارب تأثير الحميات الغذائية الصارمة، مثل تقييد السعرات الحرارية أو الصيام المتقطع.
الدراسة لم تكتفِ بمقارنة محدودة، بل اعتمدت على تحليل نتائج 167 تجربة علمية أجريت على ثمانية أنواع مختلفة من الفقاريات، بما في ذلك الفئران، والقرود، وأسماك الزينة، لتقديم صورة شاملة عن تأثيرات الدواء على الكائنات الحية.
الدواء الذي ينافس الحمية الغذائية
ووفقًا للدكتورة زهيدة سلطانوفا، المشرفة على التحليل، فإن الهدف الرئيسي من هذه الدراسة كان استكشاف ما إذا كان بإمكان أدوية معروفة مثل "راباميسين" و"الميتفورمين" أن تُحاكي الفوائد البيولوجية التي تنتج عن تقليل كمية الطعام المستهلك، وهي استراتيجية ارتبطت سابقًا بإطالة العمر وتحسين الصحة الخلوية.
النتائج جاءت لصالح "راباميسين"، الذي أظهر قدرة واضحة على تحسين متوسط العمر بشكل متسق، بينما لم يحقق "الميتفورمين" التأثيرات ذاتها. الأكثر إثارة، بحسب الدراسة، أن تأثير "راباميسين" اقترب كثيرًا من فعالية الحميات الغذائية، ما يجعله مرشحًا جادًا لأن يكون حجر الزاوية في أبحاث الشيخوخة المستقبلية.
تأثيرات ثابت
على عكس العديد من الأدوية التي تظهر نتائج متباينة حسب الجنس أو نوع الحيوان، أظهر "راباميسين" ثباتًا ملحوظًا في نتائجه، بغض النظر عن هذه العوامل. وتشير الدراسة إلى أن التأثير المرجّح للعقار ينبع من قدرته على التأثير في مسار mTOR، وهو مسار خلوي معروف بارتباطه بتنظيم النمو والشيخوخة والاستجابة للتغذية.
بديل الحميات الغذائية القاسية
اللافت في نتائج الدراسة هو أن "راباميسين" قد يُوفر طريقًا دوائيًا لتحقيق الفوائد ذاتها التي تسعى إليها الحميات الغذائية القاسية، دون الحاجة إلى تقييد صارم في نمط الحياة أو تناول الطعام. لكن هذه الفرضية لا تزال في إطار الأبحاث الحيوانية، ولم تُترجم بعد إلى تجارب بشرية مؤكدة.
تحذير طبي
رغم التفاؤل، يحذر العلماء من القفز إلى الاستنتاجات أو استخدام "راباميسين" خارج الإشراف الطبي، خصوصًا وأنه دواء معتمد حاليًا فقط في حالات محددة مثل زراعة الأعضاء وبعض أنواع السرطان، نظرًا لخصائصه كمثبط قوي للمناعة.
وتُشير الدكتورة سلطانوفا إلى أن الطريق لا يزال طويلًا أمام استخدام الدواء لغرض إطالة العمر البشري، حيث يتطلب الأمر سنوات من البحث والتجارب السريرية، خاصةً في ظل طول متوسط عمر الإنسان وصعوبة مراقبة تأثيرات العقار على مدى زمني ممتد.
محاولات لتقليل الأعراض الجانبية
ضمن هذا السياق، يجري حاليًا تطوير "رابالوجات"، وهي نسخ معدّلة من "راباميسين" تهدف إلى الاحتفاظ بالفوائد المرتبطة بإطالة العمر مع تقليل الآثار الجانبية، وخصوصًا تأثيرها السلبي على الجهاز المناعي. ويأمل الباحثون أن تفتح هذه الأدوية المعدّلة الطريق أمام استخدام آمن وفعّال للبشر في المستقبل.
تفاعل الأوساط الطبية: بين الأمل والتريث
من جهته، علّق الجراح المتخصص مير علي الذي لم يشارك في الدراسة على النتائج بقوله إن أهمية "راباميسين" لا تكمن فقط في تأثيره المحتمل على العمر، بل في أنه يُسلط الضوء على دور الجهاز المناعي في تنظيم شيخوخة الجسم. لكنه شدد على أن التحدي الأكبر لا يزال في إمكانية تصميم تجارب بشرية طويلة الأمد وآمنة، في ظل المخاطر المعروفة للدواء.
نحو فهم جديد لطبيعة الشيخوخة؟
رغم أن نتائج الدراسة لا تعني أننا على وشك اكتشاف "إكسير الشباب"، إلا أنها تشكّل خطوة محورية نحو مستقبل قد نتمكن فيه من التدخل علميًا في مسار الشيخوخة، وربما إعادة رسم حدود الحياة البشرية. وفي انتظار نتائج الدراسات البشرية، يظل "راباميسين" عنوانًا مثيرًا للجدل والتأمل في الأوساط الطبية والعلمية، حيث تتقاطع فيه أحلام البشرية القديمة مع أدوات العلم الحديث.