تحديات حكومة محلب خلال الفترة من فبراير 2014 حتى سبتمبر 2025

في إطار مساعي تعزيز التواصل مع الخبراء والمسئولين السابقين وتعزيز المخرجات البحثية الداعمة لصناع القرار، احتفى مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية في لقاء خاص، برئيس مجلس الوزراء الأسبق المهندس “إبراهيم محلب”، وعدد من الوزراء السابقين في حكومته في الفترة من فبراير 2014 إلى سبتمبر 2015، لتوثيق تلك المرحلة التاريخية الهامة والوقوف على التحديات التي واجهت صناع القرار بالدولة المصرية. وقد شارك في اللقاء كل من:
1- وزيرة التعاون الدولي السابقةالأستاذة الدكتورة “نجلاء الأهواني”.
2- وزير الصناعة والتجارة الأسبق الأستاذ”منير فخري عبد النور”.
3- وزير الصحة الأسبق الدكتور”عادل العدوي”.
4- وزير النقل الأسبق المهندس”هاني ضاحي”.
5- وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري الأسبق الدكتور”أشرف العربي”.
وقد أدار اللقاء المدير الأكاديمي لمركز “رع” د. “أبو الفضل الإسناوي”، بحضور جميع أعضاء هيئة المركز العلمية والاستشارية وعدد من الرموز والخبراء والباحثين.
ويمثل هذا اللقاء نموذجًا متقدمًا لما يسعى المركز إلى ترسيخه من توثيق الخبرة الحكومية لا بوصفها فقط تجربة تنفيذية، بل بوصفها مصدرًا للتفكير الاستراتيجي وصناعة السياسات العامة.
أتاحت الجلسة تفاعلًا مباشرًا بين الوزراء السابقين ومجتمع الباحثين، بما فتح المجال لأسئلة جادة حول تحديات المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورتي يناير ويونيو، وكيف أعادت حكومة المهندس محلب بناء على توجيهات القيادة السياسية ضبط إيقاع الأداء التنفيذي، وبناء الثقة مع المجتمع، وتأسيس بنية تشريعية وإدارية لمواجهة الأزمات المتراكمة.
لحظة تأمل في تجربة استثنائية:
افتتح اللقاء د. “أبو الفضل الإسناوي” بالتأكيد على أهمية توثيق شهادات صُنّاع القرار الذين تحملوا مسؤولية إدارة الحكومة في مرحلة شديدة الدقة، مشيرًا إلى أن حكومة المهندس “إبراهيم محلب” جاءت في توقيت كانت فيه الدولة المصرية في حاجة ماسة إلى الاستقرار والتنفيذ السريع لرؤية وتوجيهات القيادةالسياسية، وشهدت تلك الحكومة قرارات مصيرية ساهمت في تمهيد الطريق لـ”الجمهورية الجديدة”.
وأشار “الإسناوي” إلى جهود الحكومة ومدى كونها حكومة ميدانية استثنائية جاءت في لحظة فارقة في مستقبل مصر، مشيرًا إلى مبادرة “تكافل وكرامة”التي أطلقها دولة رئيس الوزراء الأسبق “إبراهيم محلب” بناء على تكليفات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومدى أهمية القرارات والمشاريع التي تبنتها هذه الحكومة والمستمرة حتى الآن في إطار استكمال تلك الجهود المثمرة، والتي لها عائد كبير في تحسين الأوضاع وحفظ الاستقرار بالمجتمع المصري.
وفي سياق عرضه لتجربة “حكومة محلب” أكد مستشار مركز رع “د. محمد أبو سريع، على أهمية استدعاء التجربة الحكومية لرئيس الوزراء الأسبق المهندس “إبراهيم محلب” بوصفها نموذجًا تنمويًا فريدًا في لحظة استثنائية من تاريخ مصر الحديث، حيث كانت الدولة تعيش تحت وطأة تحديات أمنية وسياسية معقدة، ما حال دون تسليط الضوء الكافي على جهود التنمية التي بُذلت في تلك المرحلة. وشدد على أن دراسة الماضي برؤية علمية تُعد مدخلًا أساسيًا لفهم الحاضر وصياغة سياسات مستقبلية تستند إلى خبرة واقعية، لا سيما عندما تكون هذه الخبرة صادرة عن قيادة تنفيذية عملت في بيئة مليئة بالتعقيدات وضغوط التغيير.
وفي السياق ذاته، أوضح “د. أبو الفضل الإسناوي” أن هناك عدة مبررات تستوجب توثيق هذه المرحلة وتقديمها كنموذج قابل للتحليل الأكاديمي، أهمها أن الفترة التي تولّت فيها حكومة المهندس “محلب” المسؤولية تُعد من أكثر الفترات حساسية في تاريخ الإدارة والحكم بمصر. وأضاف أن هذه الحكومة تمثل نموذجًا عمليًا للإدارة الميدانية، حيث استطاعت – رغم ضيق الوقت وكثافة التحديات – تنفيذ عدد من المشروعات القومية الكبرى مثل تنمية محور قناة السويس وتوسعتها، وإصلاح منظومة الدعم، وإطلاق برنامج “تكافل وكرامة”، إلى جانب جهود ملموسة في الإصلاح المؤسسي وتحقيق التوازن بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في آنٍ واحد.
وتشكل هذه المرحلة، بحسب “الإسناوي”، نقطة انطلاق مهمة لفهم كيفية إدارة الدولة في أوقات التحول الكبرى، ومدى ارتباط الأداء الحكومي بالمنهج الميداني والتنسيق بين القطاعات، ما يجعلها جديرة بالدراسة والاقتراب التحليلي، خصوصًا في ظل الحاجة إلى استلهام نماذج تنفيذية أثبتت كفاءتها في أصعب الظروف.
“محلب”.. بنينا أساس قوي ومهم للدولة:
وفي كلمته، تحدث المهندس “إبراهيم محلب” عن حجم التحديات التي واجهت حكومته عقب ثورة 30 يونيو، مشيرًا إلى أنه بناء على تعليمات القيادة السياسية عمل الفريق الوزاري بمنهجية “الميدان أولًا”، وأن الوزراء نزلوا الشارع بأنفسهم لمتابعة المشروعات وتفقد الأوضاع عن قرب، موضحًا أن الهدف الذي ركزت عليه الحكومة آنذاك كان إعادة بناء أركان الدولة، بعد أن استهدفت الجماعات الإرهابية انسلاخ الشخصية المصرية عن هويتها وعملت على ذلك مستغلة ظروف عدم الاستقرار.
وأكد “محلب” أن روح العمل الجماعي، وتوجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي وقيادته الرشيدة للبلاد، هي التي أنقذت الموقف، مضيفًا أن الدولة كانت تواجه أزمات معقدة أبرزها: انهيار الثقة، والأمن، والاقتصاد، والبيروقراطية المعطّلة. وأشار إلى دور وزير الصناعة والتجارة الأسبق “منير فخري” في الحكومة، وهو خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فقد كان بمثابة ميزان وعقل سياسي وإداري قوي، وكانت لديه اتصالات دولية قوية للغاية.
كما أشاد بدور الوزيرة السابقة “د. نجلاء الأهواني” وبالأخص فيما يتعلق بتنظيم المؤتمر الاقتصادي في 2015 وسط مواقف دولية سلبية مع الدولة، والنجاح في الانفتاح على شركات عديدة منهم “سيمينز”. كما أشاد بوزير الصحة الأسبق “د. عادل العدوي” ودوره في مواجهة خطر فيروس (C)، حيث قاد الوضع وتوصل لاتفاقات عظيمة للحصول على العلاج.
وأثني “محلب” كذلك على أداء وزير النقل الأسبق “م. هاني ضاحي” وتنفيذه مشروعات تمتد آثارها حتى الآن في قطاع النقل، ونمت بنجاح عبر جمع خبرات رائعة.
وشدّد “محلب” على أن العمل الحكومي كان يستند وقتها في ضوء توجيهات القيادة السياسية إلى رؤية تنموية واضحة، وكان الهدف هو بناء دولة قوية لا تعترف بالمستحيل. مشيدًا بدور وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري الأسبق “د. أشرف العربي” في التخطيط المنظم للإصلاح الإداري، الذي نجحنا به في مواجهة الصعوبات وفي بناء رؤية مصر 2030. حيث استطاع “العربي” أن يجمع كل أطراف المجتمع في استنباط هذه الرؤية من واقع يعيشه المواطن وآمال لا حد لها. وأكد “محلب” أنه في هذا السياق لا يمكن أن ينجح أحد بمفرده، بل تنجح المجموعة بالتعاون.
من المحلية ننطلق للعالمية:
أكد رئيس مجلس الوزراء الأسبق “إبراهيم محلب” أنه يجب الاعتماد على القوى الكامنة في مصر، وأنها مليئة بهذه الكوادر والنماذج العبقرية ولاسيما نجيب محفوظ، في الانطلاق من المحلية والحواري المصرية نحو العالمية، مشيرًا إلى أن مشروعات هامة للحكومة جاءت بفكرة بسيطة وتحولت بالقرار الحاسم والتوظيف المرن إلى مشاريع قائمة وناجحة وتجارب يُشاد بها دوليًا.
وأشار إلى اختيار الحكومة لموقع في المقطم بناء على تعليمات القيادة السياسية، وتحديده لبناء مشروع قومي مصري هام للإسكان وهو “الأسمرات”، ومبادرة “تكافل وكرامة” التي جاءت في ظل عصف ذهني بسيط حول الرغبة في تحقيق كرامة المواطن المصري والحفاظ عليها وترسيخ حقوق كل مصري مصرية، من هنا جاء اسم المبادرة الناجحة والمستمرة لتأثيرها الفعال بالمجتمع.
وفيما يتعلق بكارت التموين المصري لعلاج التزاحم في المخابز في تلك المرحلة، ألمح رئيس الوزراء الأسبق، إلى أنه مع ابتكار فكرة الكارت أصبح هناك فائض كبير من الخبز بعد حصول المواطنين على احتياجاتهم. وعن مشروع الإسكان الذي ضم مليون وحدة سكنية أكد “محلب” أنه كان مخطط على الورق منذ سنوات، ولكنه تم تجميده في فترة حكم جماعة “الإخوان” الإرهابية.
كما أكد “محلب” أن الإعلام كان ينتقد الحكومة انتقادًا لاذعًا دون محاولة دراسة الإنجازات والجهود المبذولة في بناء وإنقاذ الدولة المصرية، وقال إن “منتقدي الأمس أصبحوا اليوم أصدقاء، بعد أن تلمسوا أن أداء الحكومة لم يكن تقليدي”، موضحًا أن حكومته ببساطتها وبانتماء أعضائها جميعًا وحبهم للوطن، في ضوء التزامهم بتعليمات السيد الرئيس، نسفوا الشكل التقليدي للحكومة وكانوا أقرب إلى المواطن عن الشكل التقليدي السابق للحكومات.
“الأهواني”.. ترميم العلاقات الدولية
استعرضت “د. نجلاء الأهواني” تجربة وزارة التعاون الدولي في تلك الفترة، مشيرة إلى أن استعادة ثقة المؤسسات المالية الدولية، في ضوء تعليمات وتوجيهات القيادة السياسية، كان أمرًا شاقًا تطلب بناء خطاب جديد يعتمد على المصارحة والشفافية، دون تجميل للأرقام أو المواقف.
كما تحدثت عن التحديات التي واجهت مصر في مفاوضات الدعم الخليجي والأوروبي، وضرورة التوازن بين الشراكة الاقتصادية والسيادة الوطنية، مؤكدة أن ما يميز تلك المرحلة الاستثنائية من العمل الحكومي هو الشخصية الفريدة لرئيس الوزراء آنذاك، الذي وصفته بـ”المايسترو” القادر على إدارة كافة خيوط العمل الحكومي بقرارات حاسمة، وتفانٍ نادر، وسرعة استجابة قلما تجتمع في مسؤول تنفيذي واحد.
وأكدت “الأهواني” أنها استعانت في البداية بدعم “أ. د. أشرف العربي” في ظل الدمج المسبق لحقيبتي التخطيط والتعاون الدولي، قبل أن يجري فصل وزارة التعاون الدولي عن وزارة التخطيط في الحكومة الثانية للمهندس إبراهيم محلب في بداية عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي لسببين: الأول يعود إلى ضخامة ملفات الإصلاح والتخطيط، والثاني يرتبط بحساسية الظرف السياسي والدبلوماسي عقب ثورة 30 يونيو، وما خلفته من توترات حادة في العلاقات مع بعض القوى الدولية. ومن هنا بدأ التحدي الأبرز: “كيف تستعيد مصر مكانتها وثقة المجتمع الدولي، سياسيًا واقتصاديًا؟”. وتناولت “الأهواني” ثلاثة مسارات استراتيجية اعتمدتها الوزارة بناء على تعليمات القيادة السياسية:
(1) استعادة العلاقات الثنائية مع الدول والمؤسسات المانحة: لا سيما مع جهات كانت تشهد توترًا بالغًا مثل البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، حيث كان المطلوب هو إعادة تعريف أولويات التعاون مع تنويع مصادر التمويل، وهو ما تحقق بعد جهود حثيثة لإزالة الجمود السياسي وإقناع الشركاء بجدية الدولة المصرية في برامجها.
(2) الانفتاح على تكتلات جديدة: مثل إنجازات الملف الإفريقي في ظل توجه القيادة السياسية لتعزيز العلاقات مع إفريقيا، التي استعادت مكانتها في السياسة المصرية بدعم مباشر من المهندس محلب، إضافة إلى توسيع نطاق التعاون مع الصين التي لم تكن في صدارة الاهتمام سابقًا، مما خلق آفاقًا اقتصادية واستثمارية واعدة.
(3) إدارة ملف الدين العام: حيث حرصت الوزارة على تحقيق توازن بين الحاجة الملحّة للتمويل وبين شروط الاقتراض، عبر تبني فلسفة “المشروع الذي يُسدد نفسه”، لضمان ألا تكون الديون عبئًا بل رافعة إنتاجية تسهم في توليد العوائد المستدامة.
واعتبرت الأهواني، أن اللحظة المفصلية كانت في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ 2015، الذي رفض فيه المهندس محلب، بناء على تعليمات وتوجيهات السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أن يكون مؤتمر مانحين، وأصرّ على أن يكون منصة لاستقطاب استثمارات إنتاجية حقيقية، مما ألقى على كاهلها مسؤولية تنسيق المشروع من بدايته، بمشاركة وزارات الدولة كافة، واعتماد مبدأ التخصص في اختيار المشروعات المطروحة، ما أثمر انطلاق حزمة مشاريع في مجالات الطاقة والنقل والتنمية العمرانية. وأكدت الوزيرة السابقة أن ذلك الإنجاز ما كان ليتحقق في ظل التحديات الأمنية والسياسية، لولا دعم السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والجرأة والمسؤولية الكاملة التي تحمّلها المهندس محلب، والذي قاد – بروح الفريق – واحدة من أنجح لحظات استعادة ثقة العالم في الاقتصاد المصري.
“عبد النور”.. إصلاح الصناعة وسط أنقاض الاقتصاد:
ألقى وزير الصناعة والتجارة الأسبق “منير فخري عبد النور” الضوء على ملف إعادة هيكلة الصناعة وعودة الثقة للمستثمرين، قائلًا إن الحكومة في ضوء تعليمات وتوجيهات القيادة السياسية، تبنّت رؤية متكاملة لتهيئة المناخ الاستثماري، لكنها اصطدمت بواقع إداري وقانوني معقد. كما كشف عن مواقف تفاوضية مهمة مع شركات أجنبية وملفات وتسويات أثارت جدلًا حينها، مشددًا على أن “الجرأة في القرار” كانت عامل الحسم.
أكد “عبد النور” أن رضا المواطن عن حكومة المهندس “إبراهيم محلب” يرجع إلى التحرك الفوري في مواجهة الأزمات، و هذا كان بناءًا على توجيهات القيادة السياسية، هذا بالإضافة إلى كسر البيروقراطية، مستشهدًا بسرعة تخصيص أرض لإقامة مدينة صناعية بدمياط في أقل من أسبوع من صدور توجيه السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بتدشين مدينة للأثاث. وأشار إلى أن روح الفريق والتنسيق بين الوزراء كانت سمة استثنائية للحكومة، إلى جانب الانخراط الميداني لرئيسها في المشكلات اليومية، مثل أزمة الباعة الجائلين، حيث كان يتواجد ميدانيًا فجرًا لمتابعة الأوضاع بنفسه، ما عزز من ثقة المواطنين وشعورهم بالمشاركة.
وفيما يتعلق بالصناعة، لفت إلى التحديات الكبرى التي واجهتها الحكومة في غياب الطاقة والأمن، فطرحت حلولًا بديلة، كاستخدام الفحم والذي واجه اعتراضات من وزارة البيئة، مع الحفاظ على الحوار المؤسسي المحترم. وتحدث “عبد النور” عن جهود استكشاف الثروات المعدنية في الصعيد بدعم من القيادةالسياسية، مشيرًا إلى تمويل دراسات جدوى في قنا والفيوم، بالإضافة إلى وضع استراتيجية لدعم صناعة السيارات بالتنسيق مع وزارة المالية.
كما أشار “عبد النور” إلى حرص الحكومة على الاندماج في اتفاقيات التجارة الحرة القارية، ورفض إلغاء الاتفاق مع تركيا رغم التوترات السياسية، مراعاةً للمصالح الاقتصادية. واختتم بالإشارة إلى نجاح التعاون مع الصين، الذي جعل مصر ثالث مصدر عالمي للفايبر جلاس بفضل استثمارات كبرى في قطاع التكنولوجيا الصناعية.
“العدوي”.. الصحة بين الأزمات المزمنة وأمل الإنقاذ
استهل وزير الصحة الأسبق د. “عادل العدوي” مداخلته بالتأكيد على أن حكومة المهندس إبراهيم محلب لم تكن حكومة “تسيير أعمال” كما وُصفت حينها، بل كانت حكومة مواجهة للتحديات الجسيمة، كما أطلق عليها المهندس “محلب” شخصيًا في أول لقاء معه، قائلًا: “إن اللقاء الأول مع المهندس محلب طمأنه بأنه أمام رجل لا يعرف التأجيل، يحمل وعيًا حادًا بمتطلبات المرحلة ويمتلك إرادة قرار”.
واعتبر د. “العدوي” أن روح الفريق، والإيمان العميق بحب الوطن، والدعم الدائم والتوجيه المستمر من قبل القيادة السياسية، هي العوامل التي دفعت الحكومة بقوة للقيام بأعمالها، في وقت كانت فيه مصر تعاني من أزمات مركبة، سياسيًا وأمنيًا وصحيًا. وأشار إلى أن التحديات التي تواجه الدولة لم تكن طبية فقط، بل إدارية وإنسانية في المقام الأول، خاصًة مع تراكم الإهمال لعقود.
وركز “العدوي” على أن وزارة الصحة في ذلك الوقت كانت تعاني من انهيار الثقة بين المواطن والمستشفى الحكومي، وأكد أن أول ما واجهه كان ملف “فيروس سي” داخل المستشفيات، مشيرًا إلى أن الوزارة بناء على تكليفات القيادة السياسية، شرعت في الخطوات الأولى التي مهدت لاحقًا لإطلاق المبادرات الرئاسية الكبرى في القطاع الصحي، وأنه سعى وقتها في ضوء توجيهات القيادة السياسية إلى تأسيس بيئة حاضنة للمبادرات التي استكملت فيما بعد وعلى رأسها “التأمين الصحي الشامل”. وبحسب “العدوي” واجهت الدولة المصرية أزمة ثقة عالمية في قدرتها على التصدي للمرض. وبفضل مبادرة القيادة السياسية والتنسيق المباشر مع رئيس الوزراء، تمكنت مصر من توقيع اتفاقيات دوائية كبرى، بينها اتفاق إنتاج الدواء المعالج للفيروس بسعر منخفض على مستوى المنطقة، رغم تحديات قانونية شديدة، تم تجاوزها بتدخل مباشر من المهندس “محلب”.
وأكد العدوي، أن أول مريض تلقى العلاج بعقار “فيروس سي” طبقًا للمنظومة، كان في يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2014، كما أن مصر وقعت اتفاقية توريد الدواء مقابل 1% من السعر العالمي في يوم 2 يوليو 2014، وذلك بمبنى مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الوزراء، وهو ما يمثل نقطة تحول في التاريخ الصحي المصري. وأشار العدوي إلى أن الدولة المصرية بناء على تعليمات القيادة السياسية، دعمت علاج “فيروس سي” دون تحميل المواطن أعباء مالية. وأضاف أن تأمين الكوادر الطبية في ظل ظروف استثنائية، والعمل على تأسيس مسار التأمين الصحي الشامل، كانت خطوات فارقة تمت في عهد هذه الحكومة، مؤكداً أن ما تحقق لم يكن عمل وزارة، بل نموذج حكومي متكامل يقوده المهندس محلب بعقلية تنفيذية وتنسيقية فريدة.
واختتم د. العدوي مداخلته باعتزاز شديد بهذه التجربة، معتبرًا إياها “فترة ذهبية قصيرة لكنها أثبتت أن الإرادة السياسية والإدارة الميدانية قادرتان على صنع الفارق في أقسى الأوقات”.
“ضاحي”.. النقل كان على وشك الانهيار:
استعرض وزير النقل الأسبق المهندس “هاني ضاحي” حجم التحديات التي واجهتها الحكومة في لحظة انتقال مصر من حالة “اللادولة” إلى إعادة بناء مؤسساتها. وأشار إلى أن قبوله الوزارة جاء بعد تردد، لكنه استجاب لما لمسه من جدية وإخلاص في المهندس “إبراهيم محلب”، الذي وصفه بأنه “رجل مسؤولية وقرار في لحظة مصيرية”.
وأشار ضاحى، إلى أن البنية التحتية كانت متهالكة، وأن السكك الحديدية تحديدًا كانت تحتاج ما يشبه “الإحياء الكامل”. مستعرضًا بعض مشروعات التطوير التي انطلقت وقتها، وبعض ما لم يكتمل، ومؤكدًا أن التجربة أكدت أن النقل ليس مرفقًا خاسرًا، بل شريان الدولة التنموي.
أكد “ضاحي” أن السكك الحديدية كانت شبه متوقفة، الموانئ تحقق أرباحًا هزيلة، والموارد المالية محدودة. رغم ذلك، انطلقت بناء على تكليفات القيادة السياسية، خطة الطرق القومية ونُفذ منها 700 كم في عام واحد، مع إعادة تشغيل الخطوط بالصعيد، وتطوير موانئ كبرى كميناء دمياط، وتنفيذ مشروعات نقل متعددة. وأوضح أن الإنجاز تحقق بفضل الدعم والتوجيه المستمر من قبل السيدالرئيس عبد الفتاح السيسي، وروح الفريق والتكامل، وتطبيق نظام تسعير شفاف للمشروعات، وجولات ميدانية تبدأ من الفجر، مؤكدًا أن “العمل تم في ظروف لا تسمح بالتردد، بل تحتاج إلى جُرأة محسوبة وقرار حاسم”.
“العربي”.. التخطيط لمستقبل مصر في لحظة فارقة:
ركز وزير التخطيط والمتابعة والاصلاح الاداري الأسبق “د. أشرف العربي” على جانب الإصلاح الإداري والتخطيط، مؤكدًا أن أول ما تم العمل عليه بناء على تكليف القيادة السياسية، هو إعادة بناء مؤشرات الأداء ورفع كفاءة الجهاز الإداري، مشيرًا إلى أنه رغم قصر فترة الوزارة، فقد تم وضع أسس التحول الرقمي والخطط التي ظهرت نتائجها لاحقًا. وذكر أن المعركة مع الروتين كانت أشرس من أي مقاومة بيروقراطية.
وأكد “العربي” أن حكومة المهندس “إبراهيم محلب” كانت من أبرز الفترات التي عمل بها، واصفًا إياها بـ”مدرسة القرار في وقت الأزمة”، حيث تميزت بالعمل الجماعي وروح الفريق، وسط ظروف استثنائية كانت فيها الدولة تواجه تحديات البقاء والاستقرار.
وأوضح “العربي” أن هذه الفترة تم خلالها بناء على تكليفات القيادة السياسية، إعداد رؤية مصر 2030 بكامل تفاصيلها، مشيرًا إلى أن “محلب” منح هذه الرؤية دعمًا كبيرًا، وفتح الباب لبناء مشروع استراتيجي يعكس طموحات دولة ما بعد الثورة، مؤمنًا بضرورة الانتقال من الإدارة باليوم إلى رؤية طويلة الأمد. مشيرًا إلى أن ملف الإصلاح الإداري كان على رأس أولويات تلك الحكومة، إذ بدأ التفكير الجدي في تغيير قوانين الخدمة المدنية، وصولًا إلى إصدار القانون رقم 18 لسنة 2015، والذي وصفه بأنه اللبنة الأولى لإصلاح شامل حقيقي، رغم ما واجهه من تحديات برلمانية لاحقة.
وختم كلمته بالتأكيد على أن حكومة “محلب” تميزت بروح الفريق، وهو ما انعكس على النتائج التي تحققت، رغم أن الظرف التاريخي لم يلق الإنصاف الإعلامي أو الشعبي الكافي لها.
فلسفة القرار:
شهد اللقاء تفاعلًا واسعًا من الباحثين والخبراء المشاركين، وجاءت عدة مداخلات من الحضور لتسجل شهادات تحليلية وتجريبية عن هذه الفترة المفصلية وعن حكومة المهندس “إبراهيم محلب”، كاشفة عن أبعاد عميقة في تجربتها، سواء على المستوى التنموي أو الإداري أو الدولي. وأشار “د. أحمد الشورى”، أستاذ العلوم السياسية المساعد ومنسق برنامج نظم المعلومات السياسية العامة بجامعة أسيوط، إلى أن خصوصية تجربة حكومة المهندس “محلب” تكمن في ثنائية الالتحام العضوي مع الشعب، والقدرة المؤسسية على إعادة بناء الدولة. حيث وصف الحكومة بأنها كانت “أقرب ما تكون إلى المواطن”، وتمارس دورها التنفيذي من مواقع التماس المباشر مع الشارع. وأضاف أن الحكومة سعت لتأسيس دولة حديثة تمتلك “أعينًا وأسنانًا”: “أعين الدولة تمثلت في القدرة المعلوماتية وبناء قواعد البيانات وتحوّلها إلى رؤية حاكمة كـ”رؤية مصر 2030″، أما أسنان الدولة فكانت قدرتها التنظيمية والتنفيذية الفعلية على التدخل وتغيير الواقع”.
واستحضر اللواء “أحمد زغلول مهران” عضو الهيئة الاستشارية بالمركز موقفًا مفصليًا في تلك الفترة، مؤكدًا أن الشعور بالمسؤولية الوطنية كان المحرك الرئيسي لأعضاء هذه الحكومة، قائلًا إن “المهندس إبراهيم محلب، بحق رمزًا للبناء والتنسيق الميداني”.
وتحدثت “د.هند المحلي”، رئيسة برنامج الدراسات الآسيوية بمركز رع والتي كانت متواجدة بالصين عام 2014، عن أثر أداء الحكومة المصرية آنذاك على صورة مصر دوليًا، لا سيما في آسيا. وأكدت أن حكومة المهندس “محلب” كانت صاحبة الخطوة الاستراتيجية الأولى نحو الشرق والتوجه نحو آسيا، ووصفتها بأنها البداية الحقيقية للشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين التي تُوجت بزيارة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بكين، في العام نفسه. وقالت: “كنت أعيش هناك، ورأيت كيف تغيرت لغة الإعلام الصيني تجاه مصر، وكيف بدأت الحكومة الصينية تتعامل بثقة أكبر في ظل حكومة تسعى للاستقرار وتؤسس لاقتصاد واعد، وقد لمست ذلك بنفسي في اللقاءات والتعاملات الرسمية”.
وردًا على د. ياسمين محمد عطية”: هل كان اتخاذ القرارات في تلك المرحلة ضربًا من المجازفة؟ وكيف وازنت بين السرعة في الحسم، وبين الطبيعة التراكمية للقرارات التي تستلزم دراسة وتأنٍ؟”؛ قال المهندس “محلب” إن قراراته لم تكن وليدة انفعال أو عشوائية، بل ثمرة تراكم طويل من الخبرات الميدانية، وخاصة خلال عمله لعقود في شركة “المقاولون العرب”، والتي شكلت مدرسة عملية في التعامل مع التحديات. وقال إن “السرعة ليست تسرّع، والقرار السليم مبني على تدريب سنين، وقدرة على استيعاب الواقع، وفهم نبض الشارع، وقراءة الموقف بدقة”.
وأضاف”محلب” أن الجرأة ليست مغامرة، بل مهارة وواجب في ذات الوقت، مع الحاجة لسرعة التفاعل وتوافر روح الفريق المتفاني وتواضعه، وأنه كان حريصًا على الاستعانة بأفضل الكفاءات والكوادر المتخصصين. وهكذا ختم المهندس “محلب” حديثه برسالة صريحة تؤكد أن فن الحكم لا ينفصل عن الشجاعة المبنية على العلم والخبرة، ولا عن وعي رجل الدولة بقدرة مصر على تجاوز أصعب اللحظات، إذا وُجدت القيادة والإدارة التنفيذية التي تتحرك بثقة ومسؤولية في الوقت المناسب.
واختُتم “د. أبو الفضل الإسناوي” اللقاء بشكر خاص للمهندس “إبراهيم محلب” والوزراء الحضور على صراحتهم وشهاداتهم، كما شكر الحضور الكرام، معلنًا أن مركز رع بصدد توثيق “شهادات من قلب القرار” تستند إلى هذا اللقاء لتكون مرجعًا للأجيال القادمة وصنّاع القرار الجدد.
وقد حضر وشارك في النقاش جميع أعضاء الهيئة العلمية والاستشارية بالمركز على رأسهم نائب مدير المركز للتخطيط الاستراتيجي د. “أشرف الدبش”، ومستشار المركز للسياسات العامة د. محمد أبو سريع، والمستشار الإعلامي للمركز صلاح النصيري، والمنسق الأكاديمي ضياء نوح، وكبير الباحثين بالمركز د. حسام البقيعي، ورئيسة وحدة دراسات مصر رضوى محمد، ورئيسة برنامج الدراسات الآسيوية د. هند المحلي، ورئيسة برنامج دراسات البحر الأحمر د. جيهان عبدالرحمن، هذا بالإضافة إلى عدد من باحثي وخبراء المركز منهم سارة أمين مسئولة برنامج دراسات الخليج العربي، وعبير مجدي مسئولة
برنامج التحولات الداخلية بالمركز، وزياد مصطفى الباحث في الشئون الإسرائيلية. ومن السادة أعضاء الهيئة الاستشارية بالمركز، شارك اللواء أحمد زغلول مهران، واللواء عبدالحميد العناني، والدكتور أشرف عمر، وعدد من الرموز والخبراء والباحثين.