ليست رياضة فقط.. ركوب الدراجة قد يحمي دماغك من الزهايمر

في عالم تتسارع فيه وتيرة الحياة، ويزداد فيه الاعتماد على السيارات ووسائل النقل العامة، قد يبدو ركوب الدراجة خيارًا تقليديًا أو ترفيهيًا، لكن دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة JAMA" Network Open" قلبت هذا التصور رأسًا على عقب، بعدما أثبتت أن اعتماد الدراجة كوسيلة رئيسية للتنقل قد يكون له أثر بالغ الأهمية في الوقاية من أمراض الذاكرة والتدهور العقلي.
فوفقًا للدراسة التي شملت تحليل بيانات قرابة 480 ألف شخص من قاعدة بيانات "UK Biobank"، تبيّن أن ركوب الدراجة يقلل من خطر الإصابة بالخرف بنسبة 19%، ويخفض خطر الإصابة بمرض "الزهايمر" بنسبة 22%، وذلك مقارنة بمن يستخدمون وسائل نقل غير نشطة مثل السيارات أو الحافلات.
وقد امتدت فترة المتابعة لأكثر من 13 عامًا، مما منح الباحثين فرصة نادرة لدراسة الأثر طويل المدى لأنماط التنقل على وظائف الدماغ.
فاعلية ركوب الدراجة
ما الذي يجعل الدراجة تحديدًا فعالة إلى هذا الحد؟. يجيب الدكتور ليانغكاي تشين، الباحث الرئيسي في الدراسة، بأن ركوب الدراجة ليس مجرد تمرين بدني، بل هو نشاط معقد يتطلب تنسيقًا بصريًا-حركيًا، وتخطيطًا لحظيًا، واتخاذ قرارات مستمرة خلال التنقل، مما يُنشط مناطق متعددة في الدماغ بشكل متزامن. ومن أبرز هذه المناطق: الحُصين (Hippocampus)، وهي المنطقة المسؤولة عن تشكيل الذكريات وتنظيمها، وتُعد من أوائل المناطق التي تتأثر في حالات الخرف.
وأظهرت الفحوص التصويرية أن حجم الحُصين كان أكبر نسبيًا لدى ممارسي ركوب الدراجة، مقارنة بغيرهم، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًا على المرونة العصبية، وقدرة الدماغ على التكيف ومقاومة التدهور.
المشي أم الدراجة؟
رغم أن المشي يُعد نشاطًا بدنيًا سهلًا وآمنًا وذو فوائد مثبتة، إلا أن نتائج هذه الدراسة بيّنت تفوقًا واضحًا لركوب الدراجة من حيث التأثير الإدراكي، ويرجع ذلك – بحسب الأطباء – إلى أن ركوب الدراجة يُمثل نشاطًا هوائيًا أكثر كثافة، ويُشرك مراكز الدماغ المسؤولة عن التوازن، التقدير الحركي، والانتباه اللحظي بشكل فعال، وبالمقابل، فإن المشي لا يتطلب ذات المستوى من التركيز أو التحدي العقلي، مما يجعله أقل فاعلية في تحفيز الدماغ.
لكن هذه النتائج لا تُقلل من أهمية المشي، بل تُبرز ضرورة اختيار النشاط الهوائي الأنسب لكل فئة عمرية وظروف صحية، فبالنسبة لكبار السن، أو من يعانون من مشكلات في التوازن أو القلب، قد يكون المشي الخيار الأكثر أمانًا.
توصيات عملية: كيف تبدأ؟
للراغبين في اعتماد الدراجة كجزء من روتينهم اليومي، يُوصي الخبراء باتباع خطوات تدريجية:
- البدء بجولات قصيرة في أماكن آمنة وهادئة.
- استخدام أدوات الحماية مثل الخوذة وعواكس الضوء.
- استشارة الطبيب قبل البدء، خاصةً لمن يعانون أمراضًا مزمنة أو ضعف التوازن.
- دمج التنقل بالدراجة مع أنشطة اجتماعية أو ترفيهية لزيادة الالتزام والاستمتاع.
لا تقلل من قيمة الدراجة
في ضوء هذه النتائج، يُعيد الباحثون التأكيد على أهمية النشاط البدني المرتبط بالوظائف الإدراكية، وليس فقط على التمارين التقليدية، فركوب الدراجة لا ينعكس فقط على اللياقة البدنية، بل قد يُمثل أحد مفاتيح الحفاظ على صحة الدماغ مع التقدم في العمر.
وفي وقت تتزايد فيه معدلات الإصابة بالخرف عالميًا، ومع غياب علاج حاسم لألزهايمر حتى الآن، يبدو أن خياراتنا اليومية – مثل كيف ننتقل من مكان لآخر – قد تحمل بين طياتها أكثر مما نتخيل.