هل يجوز تيمم المرأة بدلا من الوضوء بسبب وضعها للمكياج؟.. الإفتاء توضح

في ظلّ تزايد التساؤلات حول الأحكام الشرعية المتعلقة بالطهارة، خاصة بين النساء اللواتي يستخدمن مستحضرات التجميل بشكل يومي، برز سؤال فقهي مهم حول مدى جواز التيمم بدلًا من الوضوء أو الغسل عند وجود المكياج على البشرة وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء أنه :لا يَجوز شرعًا للمكلَّف أن يَعدِل عن فرض الوضوء أو الغُسل إلى رخصة التيمُّم إلا إذا تعذر عليه استخدام الماء، سواء بفقده الحقيقي أو لوجود مانع معتبر شرعًا يمنعه من استعماله، كأن يترتب على ذلك ضرر شديد أو مشقة بالغة. وبناءً عليه، لا يجوز للمرأة أن تتيمم لمجرد وضعها لمساحيق التجميل (المكياج)، ما لم يكن استعمال الماء يؤدِّي إلى أذى بالغ، كزيادة في المرض أو تأخر الشفاء، أو في حال عدم توفر الماء أصلًا. فإن تيممت دون وجود عذر شرعي يبيح لها التيمم، لم تصح صلاتها، ووجب عليها إعادتها وقضاؤها
زينة المرأة لزوجها في ضوء الشريعة الإسلامية
تُظهر الشريعة الإسلامية عناية فائقة بتلبية الفطرة الإنسانية ورغبات النفس البشرية، ما دامت ضمن الإطار المشروع، ومن تلك الرغبات المحمودة ميل الإنسان إلى الجمال، لا سيما بين الزوجين. وقد شجعت الشريعة الزوجة على التجمُّل لزوجها، واعتبرت ذلك من وسائل تقوية العلاقة الزوجية وتحقيق العفة، حتى لا يفتن الزوج بما حرّم الله عليه إذا قصرت زوجته في تلبية حاجته الفطرية للنظر إلى الجمال.
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قيل للنبي ﷺ: «أي النساء خير؟» قال: «التي تسره إذا نظر»، رواه النسائي. وفسَّر العلماء هذا الحديث بما يبيِّن أهمية الزينة والبهجة في العلاقة الزوجية؛ فقال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح إن معنى “تسره إذا نظر” أي: تُفرِحه بجمالها وبشاشتها وحسن أخلاقها، وإذا اجتمع الجمال الحسي والسيرة الطيبة كانت النعمة مضاعفة. وبيَّن الإمام المناوي أن الزوجة الجميلة تعين زوجها على العفة والاستقامة.
وفي المقابل، جاءت السنة النبوية بالتحذير من إهمال المرأة لزينة زوجها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يكره للمرأة أن تكون مرهاء (أي: غير مكتحلة)، وسلتاء (غير مختضبة)، وعطلاء (غير متحلية)، كما أورده ابن حبيب الإلبيري في كتاب أدب النساء.
أثر مساحيق التجميل (المكياج) على صحة الطهارة
أما فيما يخص استعمال مساحيق التجميل، فإن لها أثرًا على صحة الطهارة بحسب طبيعتها:
• فإن كانت المساحيق ذات قوام خفيف لا تمنع نفوذ الماء إلى البشرة، كالصبغات والكريمات التي يمتصها الجلد أو لا تُكوِّن حاجزًا، فإن الوضوء والغسل معها صحيحان، لأنها لا تمنع وصول الماء إلى العضو.
• أما إذا كانت المساحيق ذات جِرم كثيف تُشكِّل طبقة عازلة على الجلد وتمنع الماء من الوصول إليه، فإن الطهارة معها لا تصح، ويجب إزالتها قبل الوضوء أو الغُسل؛ لأن الطهارة لا تكون صحيحة مع وجود حائل يمنع وصول الماء للبشرة، وهذا ما أجمعت عليه المذاهب الفقهية.
وقد بيَّن الفقهاء ذلك في كتبهم، مثل مراقي الفلاح للشرنبلالي الحنفي، والشرح الصغير للدردير المالكي، وحاشية البجيرمي، وكشاف القناع للبهوتي.
الطهارة شرط لصحة الصلاة
اتفق العلماء على أن الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر شرط من شروط صحة الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها. فمن صلى بغير طهارة أو تيمم بغير عذر شرعي، فصلاته باطلة سواء نسي أو تعمّد، كما نص على ذلك أئمة الإجماع مثل ابن المنذر، وابن حزم، وابن القطّان.
التيمم بسبب المكياج: هل هو جائز؟
إذا وضعت المرأة مساحيق التجميل، فلا يجوز لها أن تَعدّ وجودها عذرًا للتيمم، ما لم يكن هناك مانع حقيقي أو حكمي من استخدام الماء. والمانع الحقيقي هو فقد الماء، وأما الحكمي فهو وجود ضرر بالغ أو مشقة شديدة تمنع من استعماله، كأن يؤدي إلى تفاقم مرض أو تأخر الشفاء.
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: “واتفقوا على أن المريض الذي يتأذى بالماء ولا يجد الماء مع ذلك أن التيمم له بدل الوضوء والغسل”، ووافقه ابن عبد البر في الاستذكار، والعيني في البناية.
أما وجود المكياج، فلا يُعدّ عذرًا في ذاته يبيح التيمم، لأن الماء موجود، والمرأة قادرة على إزالته دون ضرر حقيقي، فالتيمم في هذه الحالة غير مشروع، وإذا صلَّت به فصلاتها غير صحيحة ويجب عليها إعادتها