عاجل

أقامها الله وأدامها.. حكم الدعاء بعد الإقامة للصلاة وصيغته المهجورة

الدعاء بعد الإقامة
الدعاء بعد الإقامة للصلاة

الدعاء بعد الإقامة للصلاة من المسائل التي يكثر وصفها بالبدعة لدى البعض من دعاة التشدد، إلا أن حقيقة الدعاء بعد الإقامة من الأمور المستحبة كما سنبين في السطور التالية.

الدعاء بعد الإقامة للصلاة.. مستحب أم بدعة؟

تقول دار الإفتاء: إن قول الدعاء المأثور: "اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد، اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض" بعد الإقامة ليس هو من السنن السيئة التي لا تتفق مع أحكام الشريعة وأصولها حتى توصف بأنها بدعة مذمومة، كما أن لها أصلًا من السنة ومن كتب الفقهاء.

وتابعت: قد ورد استحباب قول هذا الدعاء في السنة النبوية الشريفة بعد سماع الأذان على وجه الإطلاق؛ فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ».

والإقامة هي في الحقيقة نوعٌ من الأذان لغةً؛ لأن الأذان في اللغة هو الإعلام، والإقامة شرعت للإعلام بالشروع في أداء الصلاة، ولقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تسمية الإقامة بالأذان؛ فأخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ -ثَلَاثًا-؛ لِمَنْ شَاءَ»، قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" : [قوله: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ» أيْ: أذانٍ وإقامة، ولا يصح حمله على ظاهره؛ لأن الصلاة بين الأذانين مفروضة، والخبر ناطقٌ بالتخيير؛ لقوله: «لِمَنْ شَاءَ»].

الرد على من يقول بأن الدعاء بعد الإقامة للصلاة من قبيل البدعة

إذا كانت الأحاديث الشريفة أطلقت استحباب هذا الدعاء بعد الأذان، فإنه من التنطُّع الموغِل في الضلال والمبالغةِ في التمسك بالحرفية المجردة للنصوص والمصادرةِ على المقصود أن يُقَيَّد ما أطلقته السنة بما قبل الإقامة ويوصف من قال الدعاء بعد الإقامة وقبل الشروع في الصلاة بأنه صاحب بدعة، بل إن ذلك على الحقيقة هو البدعة المنكرة، على أنه قد ورد في السنة النبوية الشريفة ما يجعل للإقامة نفسَ ما للأذان من آداب؛ كالإجابة بمثل ما يقول المُقيم، وكالدعاء أيضًا.

وذلك فيما أخرجه أبو داود في "سننه" عن أبي أمامة رضي الله عنه -أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: أن بلالًا رضي الله عنه أخذ في الإقامة، فلما أن قال: قد قامت الصلاة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا»، وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان، وفي هذا الحديث أيضًا مشروعية قول: "اللهم أقمها وأدمها ما دامت السماوات والأرض"؛ فهو أمرٌ ثابتٌ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومشروعٌ كما ورد في الحديث الشريف بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَقَامَهَا اللهُ وَأَدَامَهَا».

كما جاء في "البناية شرح الهداية": [قال الطحاوي: فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع المنادي، فأجاب غير ما قال، فدل على أن الأمر للاستحباب وإصابة الفضل، ويستحب له أن يتابع المؤذن في ألفاظ الإقامة إلا في الحيعلة، وفي كلمة "قد قامت الصلاة" يقول: أقامها الله وأدامها. وفي "المفيد": ما دامت السماوات والأرض، وفي حديث شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أقامها وأدامها"].

ولا يجوز أن يُجعل العدولُ عما كان الأصلُ في مشروعيته الاستحبابَ وإصابةَ الفضل مِن البدع المخالفة للدين؛ فإن في هذا القول خللًا بينًا، فضلًا عن انعدام مستنده من الشرع الشريف!

نصوص الفقهاء الواردة على استحباب الدعاء عند الإقامة

مِمَّن نَصَّ مِن الفقهاء على استحباب الدعاء عند الإقامة على اختلاف ألفاظه: قال العلامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق": [وفي "شرح النقاية": ومن سمع الإقامة لا يجيب، ولا بأس بأن يشتغل بالدعاء عندهما. وفي "فتح القدير": إن إجابة الإقامة مستحبة. وفي غيره أنه يقول إذا سمع "قد قامت الصلاة": أقامها الله وأدامها] اهـ.

وقال الشيخ داماد أفندي الحنفي في "مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر": [وفي الجواهر أن إجابة المؤذن سنة، هكذا يجيب في الإقامة أيضًا إلى أن ينتهي إلى قوله: "قد قامت الصلاة" فحينئذ يجيب بالفعل دون القول، وقال بعضهم: بالقول؛ فيقول: "أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض"] اهـ.

وقال الإمام الطحطاوي الحنفي في "حاشيته على مراقي الفلاح شرح نور الإيضاح": [قال بعض الفضلاء: ويقول عند "قد قامت الصلاة": أقامها الله وأدامها؛ هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكره الحلبي وغيره. ومعنى "أقامها الله": أثبتها وأبقاها. قال في "شرح المشكاة": واشتهر بعد قوله "وأدامها" زيادة: "وجعلني من صالحي أهلها"] اهـ. فدل ذلك على استحباب العمل بمأثور ما ورد عن الصالحين؛ للإطلاق في الأمر بالدعاء.

وقال الإمام الحصكفي في "الدر المختار" مع "حاشية ابن عابدين": [(يجيب الإقامة) ندبًا إجماعًا (كالأذان) ويقول عند (قد قامت الصلاة): أقامها الله وأدامها] اهـ.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير": [والثاني: قوله: "قد قامت الصلاة"؛ فيقول المستمع بدلًا من ذلك: أقامها الله وأدامها؛ رواه أبو أمامة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن ما سوى هذين الموضعين ذكر الله، فاستوى فيه المؤذن والمستمع، وهذان الموضعان خطابٌ للآدميين، فعدل المستمع عنه إلى ذكر الله في الاستغاثة به والرغبة إليه في إمامة الصلاة] اهـ.

وقال الإمام الشيرازي الشافعي في "التنبيه": [ويستحب لمن سمعه أن يقول كما يقول المؤذن إلا في الحيعلة؛ فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض] اهـ.

وقال الإمام العمراني الشافعي في "البيان": [يستحب لمن سمع الإقامة أن يقول كقوله، إلا في الحيعلة.. فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ويقول في لفظ الإقامة لفظ: أقامها الله وأدامها؛ لما روى أبو أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب": [ويستحب أن يتابعه في ألفاظ الإقامة، إلا أنه يقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها؛ هكذا قطع به الأصحاب، إلا الغزالي؛ فحكى في "البسيط" عن صاحب "التقريب" وجهًا أنه لا يستحب متابعته] اهـ.

وقال أيضًا في موضعٍ آخر من "المجموع": [قال المصنف رحمه الله: (ويستحب لمن سمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول، إلا في الحيعلة؛ فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وفي لفظ الإقامة يقول: أقامها الله وأدامها؛ لما روى أبو أمامة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك] اهـ.

وقال الإمام ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" : [ويقول في كلٍّ من كلمتي الإقامة: أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض، وجعلني من صالحي أهلها؛ لخبر أبي داود به].

كما أن الثابت أنه يسن الدعاء بين الأذان والإقامة وخلالهما بوجهٍ عام؛ فقد قال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل": [وقال في "مختصر الواضحة": قال عبد الملك: ويستحب له الدعاء عند الأذان وعند الإقامة فيما يستحب للرجل أن يقول إذا سمع المؤذن يقول الله أكبر: لبيك داعي الله، سمع السامعون بحمد الله ونعمته، اللهم أفضل علينا وقنا عذاب النار، ثم يقول مثل ما يقول. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ قَالَ: رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَسُولًا، غَفَرَ اللهُ لَهُ»، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْأَذَانَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّة، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَعْطِهِ الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَالشَّفَاعَةَ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»] اهـ.

تم نسخ الرابط