دراسة: اضطرابات النوم تدفع المراهقين إلى عزلة نفسية عبر التفكير السلبي

في ضوء تزايد الاضطرابات النفسية بين فئة المراهقين، كشفت دراسة علمية حديثة نُشرت في مجلة Applied Psychology: Health and Well-Being، عن وجود علاقة وثيقة بين مشاكل النوم والشعور بالوحدة في مرحلة المراهقة. وأوضحت الدراسة أن هذا الارتباط لا يحدث بشكل مباشر فحسب، بل يتم عبر مسارات نفسية تشمل الاجترار الفكري وضعف المرونة النفسية.
واعتمدت الدراسة على تحليل بيانات من ثلاث دراسات مستقلة، شارك فيها مئات المراهقين، وأظهرت أن قلة النوم تؤدي إلى تفاقم التفكير السلبي المستمر، وتراجع قدرة الفرد على التعامل مع الضغوط والتغيّرات، مما يفاقم الشعور بالانعزال والانفصال الاجتماعي، حتى لدى أولئك الذين يعيشون وسط أسرهم أو أقرانهم.
كيف يقود النوم السيئ إلى الشعور بالوحدة؟
تعتمد الدراسة في تفسيرها للعلاقة بين اضطرابات النوم والشعور بالوحدة على مفهومين نفسيين أساسيين:
- الاجترار الفكري: وهو التركيز المتكرر على الأفكار السلبية والمواقف المزعجة.
- المرونة النفسية: وهي قدرة الفرد على التكيف مع الضغوط والتعافي من الأزمات.
عندما ينام المراهق لساعات غير كافية أو يواجه صعوبات في النوم، يصبح أكثر عرضة للانغماس في التفكير السلبي، ما يضعف مرونته النفسية. وبمرور الوقت، تترسّخ مشاعر الانفصال عن الآخرين، ويبدأ في الشعور بالوحدة، حتى وإن كان محاطًا بأشخاص مقربين.
نتائج ثلاث دراسات متنوعة تؤكد الارتباط
الدراسة الأولى أجريت على 883 مراهقًا تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عامًا في مدينة ووهان الصينية. وخلصت إلى أن مشاكل النوم ترتبط بارتفاع ملحوظ في مستويات الاجترار الفكري وانخفاض المرونة النفسية، وهما عاملان ارتبطا بدورهما بشكل مباشر بزيادة الشعور بالوحدة.
الدراسة الثانية كانت طويلة الأمد، تابعت 94 مراهقًا على مدار 18 شهرًا، ووجدت أن اضطرابات النوم في بدايتها تنبئ بارتفاع لاحق في مشاعر الوحدة، وإن كانت العلاقة غير قوية إحصائيًا عبر كل المراحل.
أما الدراسة الثالثة فشملت 242 مراهقًا على مدى سبعة أسابيع، وأكدت بوضوح وجود تسلسل نفسي يبدأ من مشاكل النوم، ويمر بالاجترار وضعف المرونة، ليصل في النهاية إلى الشعور بالوحدة.
مرحلة حرجة تتطلب تدخلاً مبكرًا
يشدد الباحثون على أن مرحلة المراهقة تُعد من أكثر الفترات حساسية في التطور الاجتماعي والعاطفي. ويعتبر النوم الجيد عاملًا أساسيًا في دعم الصحة النفسية، إذ أن اضطرابه لا يؤثر فقط على الوظائف الإدراكية والانفعالية، بل يفتح الباب أمام أنماط تفكير ضارة تؤثر على علاقات المراهق الاجتماعية.
قيود الدراسة وتوصيات مستقبلية
رغم التماسك في نتائج الدراسات الثلاث، أشار الباحثون إلى بعض القيود، أبرزها أن العينة تركزت على مراهقين في الصين، وتحديدًا في فترة ما بعد جائحة كورونا، ما قد يحد من تعميم النتائج على مستوى عالمي. كما أن الدراسات لم تثبت علاقة سببية قاطعة، بل ركّزت على وجود ارتباطات واضحة.
وفي ضوء هذه النتائج، يوصي الباحثون بإجراء دراسات تدخلية مستقبلية لفحص ما إذا كان تحسين جودة النوم لدى المراهقين يمكن أن يُسهم فعليًا في الحد من مشاعر الوحدة والعزلة النفسية.