عاجل

مولد أبي الحسن الشاذلي.. عالم أزهري يكشف مناقب ملجأ الطالبين

مولد أبي الحسن الشاذلي
مولد أبي الحسن الشاذلي

يواصل أبناء الطرق الصوفية، الاحتفال بـمولد أبي الحسن الشاذلي بحميثرة بمحافظة البحر الأحمر، والذي يتزامن مع عشر ذي الحجة كل عام ويختتم يوم غدٍ الخميس (يوم عرفة).

الاحتفال بمولد أبي الحسن الشاذلي

وقال الدكتور حمد الله حافظ الصفتي، عضو المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، إن إحياء ذكرى العلماء والصالحين، ونشر مآثرهم ومحاسنهم، من علامات الأمم الناهضة، فهي التي تُقدِّر رجالها أحياء وأمواتا، عرفانًا بجميلهم، وحضًّا لأبنائها على اتخاذهم قدوةً في سائر جوانب حياتهم. وفي هذا الوقت المبارك من كلِّ عام، تغدو علينا ذكرى الإمام الكبير، والعَلَم الشهير، الأستاذ الواصل، والمرّبي الكامل، أوحد أهل زمانه علمًا وحالًا، ومعرفةً ومقالًا، ذي النِّسبتين الطاهرتين: الرُّوحية والجسمية، وليّ الله تعالى، سيدي أبي الحسن علي بن عبد الله الشاذلي، رضي الله عنه وأرضاه، وأعلى في جنان الخلد مثواه.

وتابع في تصريحات لـ «نيوز رووم»: الحديث عن الإمام الشاذلي رضي الله عنه حديث يسعد القلب، ويلهم النفس، فقد كان سيدي أبو الحسن رضي الله عنه إمامًا من أئمة الدِّين بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى، ولقد تدبرت كلمة «الإمامة» في القرآن الكريم، فوجدتها تدور على أربعة معاني، تجسدت كلها في سيدي أبي الحسن رضي الله عنه علمًا وحالا.

علم أبو الحسن الشاذلي

كان سيدي أبو الحسن رضي الله عنه عالمًا بحق، فأما علم الظاهر، فهو فيه صاحب القدم الراسخة، والمعرفة الواسعة، ولقد كان يلقي دروسه في مسجد المقياس بجزيرة الروضة، أو في المدرسة الكاملية بالقاهرة، بخلاف دروسه في الإسكندرية، فيقرئ جملة من مؤلفات أهل العلم، وسط مئات الطلاب والمريدين، وكان في جملة أصحابه ومريديه ما يزيد على خمسين فقيها من أهل العلم الظاهر، منهم: العز بن عبد السلام، وابن دقيق العيد، وابن الحاجب، وابن الصلاح، وزكي الدين المنذري، وغيرهم، وناهيك بهؤلاء علما وفهما.

وأما علم القلوب، فهو فيه صاحب اليد الطولى، ودونك ما رواه الإمام ابن عطاء الله السكندري في كتابه «لطائف المنن»، عن الشيخ مكين الدين الأسمر، أنه قال: «حضرت بالمنصورة في خيمة فيها: مفتي الأنام عز الدين بن عبد السلام، والشيخ مجد الدين علي بن وهب القشيري المدرس، والشيخ محيي الدين بن سراقة، والشيخ مجد الدين الأخميمي، والشيخ أبو الحسن الشاذلي، ورسالة القشيري تقرأ عليهم، وهم يتكلمون، والشيخ أبو الحسن صامت، إلى أن فرغ كلامهم، فقالوا: يا سيدي نريد أن نسمع منك مقالا، فقال تواضعا: أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم، فقالوا: لا بد أن نسمع منك، قال: فسكت الشيخ ساعة، ثم تكلم بالأسرار العجيبة، والعلوم الجليلة، فقام الشيخ عز الدين وخرج من صدر الخيمة، وفارق موضعه، وقال: اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله».

ومع هذا فإن الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه لم يؤلف كتبا، وكل ما وصلنا من آثاره العلمية، هو ما نقله أصحابه عنه من وصايا، وأقوال مأثورة، وأدعية، وأحزاب، وأوراد، وكان الشيخ يرى أن تلاميذه هم كتبه، روى الإمام ابن عطاء الله أن أحد الأتباع سأل الشيخ مرة: «لم يا سيدي لا تضع الكتب في الدلالة على علوم القوم؟»، فأجاب الشيخ: «كتبي أصحابي».

أبو الحسن الشاذلي.. ملجأ الطالبين

كان الشيخ رضي الله عنه بابًا وملجأ للطالبين، يقصده الكبار، ورجال الدولة، والعلماء، والعامة في حاجاتهم، يلتمسون منه البركة، ويستشفعون به في قضاء مطالبهم، وكان الشيخ لا يرد إنسانًا قصده في مسألة كبرت أو صغرت،  بل يسعى لإجابة كلٍّ إلى مطلبه، جاءه فقيه من طلاب العلم يستشفع به لدى القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز، لكي يزيد في راتبه عشرة دراهم، فذهب الشيخ بنفسه إلى القاضي، فأسرع إليه يرحب به، وسأله فيم مجيئه؟ فقال الشيخ: «من أجل فلان الطالب، كي تزيده في مرتبه عشرة دراهم»، وحاول القاضي أن يعتذر، وشرح للشيخ كيف أن لهذا الطالب مرتبات أخرى من جهات متعددة، وقال له: «يا سيدي هذا له في المكان الفلاني كذا، وفي المكان الآخر كذا، وفي الموضع الفلاني كذا وكذا»، فقال الشيخ للقاضي: «يا تاج الدين: لا تستكثر على مؤمن عشرة دراهم تزيده إياها، فإن الله تعالى لم يقنع بالجنة للمؤمن جزاء، حتى زاده النظر إلى وجهه الكريم».

وكان الشيخ يحمل نفسه المشاق على كبر سنه في سبيل قضاء حاجات أتباعه ومريديه، ورعاية شؤونهم، فروى الإمام ابن عطاء الله أن أحد أتباع الشيخ في الإسكندرية أصابه رمد في عينه، فاستدعى له الشيخ طبيبًا يهوديًا لمعالجته، فاعتذر الطبيب عن مباشرة العلاج، وقال للشيخ: «لقد جاء مرسوم من القاهرة أنه لا يداوي أحد من الأطباء إلا بإذن من مشارف الطب بالقاهرة»، فلما خرج الطبيب، قال الشيخ: «هيئوا أسباب السفر»، وسافر في الحال إلى القاهرة، وحصل على الإذن للطبيب، وعاد مسرعًا إلى الإسكندرية، ولم يبت خارجها إلا ليلة واحدة، واستدعى الطبيب، وأطلعه على الإذن، فأكثر الطبيب اليهودي التعجب من هذا الخلق الكريم، ثم أخذ في مباشرة العلاج.

وروى الإمام ابن عطاء الله أنه سمع الإمام ابن دقيق العيد يقول: «جهل ولاة الأمور بقدر الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه، لكثرة تردده في الشفاعات».

ويعلق الإمام ابن عطاء الله على هذا بقوله: «هذا الأمر لا يقوى عليه إلا عبد متخلق بأخلاق الله، بذل نفسه وأذلها في مرضاة الله، وعلم وسيع رحمة الله، فعامل عباد الله ممتثلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

عبادة أبو الحسن الشاذلي

كانت حياة أبو الحسن الشاذلي في مرضاة الله، يعيش لله وبالله، والأحزاب التي وصلتنا عن الشيخ رضي الله عنه، تدل على أنه كان قد رق قلبه وصفا، فلم يعد يشغله غير حب الله سبحانه وتعالى، وأن نفسه لم تعد تلجأ إلا إلى الله سبحانه، وأن روحه علت وارتقت حتى أصبحت أقرب ما تكون إلى الله سبحانه.

وكان أثناء مُقامه في مصر يخرج للحج كلَّ سنة، فيذكر ابن بطوطة: أن الشيخ ياقوت العرشي أنبأه، رواية عن شيخه أبي العباس المرسي، أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي كان يحج في كل سنة، ويجعل طريقه على صعيد مصر، ويجاور بمكة شهر رجب وما بعده إلى انقضاء الحج، ثم يزور القبر الشريف، ويجعل طريقه على صعيد مصر، ويعود على الدرب الكبير إلى الإسكندرية.

هداية أبو الحسن الشاذلي للعامة

واختتم بالقول: كان سيدي أبو الحسن رضي الله عنه نورا في طريق عباد الله، يأخذ بأيديهم، ويبصرهم بسبل النجاة في الآخرة،  قال الشيخ مكين الدين الأسمر: «مكثت أربعين سنة يشكل علي الأمر في طريق القوم، فلا أجد من يتكلم عليه ويزيل عني أشكاله، حتى ورد الشيخ أبو الحسن الشاذلي، فأزال عني كل شيء أشكل علي، ورأيت الناس يدعون إلى باب الله، وأبا الحسن يدخلهم على الله تعالى». وقال عنه الإمام ابن دقيق العيد: «ما رأيت أعرف بالله من الشيخ الشاذلي»، وقال الإمام البدر ابن جماعة: «إن بركة الشيخ حلت بالديار المصرية منذ أقام فيها».

تم نسخ الرابط