عاجل

احتفاء شعبي بمولد أبي الحسن الشاذلي.. أسرار الصوفية مع عشر ذي الحجة

احتفالات صوفية بمولد
احتفالات صوفية بمولد الشاذلي

تحتفي الطرق الصوفية بمولد أبي الحسن الشاذلي، في أقصى الجنوب المصري، حيث يلامس النورُ شغافَ القلب قبل أن يلامس الأرض، وتتماوج الأرواح كأمواج النيل الهادئ، تنبض قرية وادي حميثرة كل عام بحياة من نوع آخر. 

ذكرى الإمام العارف بالله سيدي أبي الحسن الشاذلي

هناك، لا يُقام مولد، بل يُبعث زمنٌ بأكمله من مرقده، حيث يجتمع المحبون من كل فجٍّ وذكرى، ليحيوا ذكرى الإمام العارف بالله سيدي أبي الحسن الشاذلي، قطب السالكين ورفيق القلوب في سيرها إلى الله.

منذ أعوام ثلاثة، طرأ ما يشبه الخروج عن المألوف، حين حاول بعضُ مشايخ العصر أن ينقلوا المولد من زمانه الذي اختارته القلوب وباركته الأجيال – أول أيام ذي الحجة وختامه في يوم عرفة – إلى موعدٍ آخر في نهاية شوال.

احتفالات صوفية بمولد الشاذلي
احتفالات صوفية بمولد الشاذلي

لكن الحقيقة لا تُبدِّل ثيابها، ولا تستجيب لقرارات فوقية. وسرعان ما انحاز الزمان إلى أهله، والمولد إلى طقوسه الأولى، حيث امتلأت الأرض في ذي الحجة من جديد بجنود المحبة وأهل الله، لا من الشاذلية وحدهم، بل من كل طرق القوم: القادرية والرفاعية، البيومية والدسوقية، البرهامية والاحمدية والخلواتية، وحتى عامة الناس ممن لا يميزون بين طريقة وأخرى، ولكنهم يعرفون الحب إذا حلّ، والعطر إذا فاح.

احتفالات صوفية بمولد الشاذلي
احتفالات صوفية بمولد الشاذلي

الحشود... ومواعيد الأرواح

منذ القدم، لم يكن مولد الشاذلي شأنًا محليًّا ولا طقسًا مخصوصًا بزاوية دون أخرى. بل كان، وما زال، عيدًا صوفيًّا مفتوحًا، تتلاقى فيه الطرق كما تتلاقى أنهار البركة في بحر الذكر. من كل بقاع مصر، بل ومن المغرب الأقصى واليمن والحجاز، تلتقي الأرواح في وادي حميثرة على موعدٍ لا تحدده الشهور، بل تُحدده القلوب التي ورثت الحنين جيلاً بعد جيل.

وفي حين بقي احتفال شوال باهتًا، محصورًا في أروقة محدودة، فإن مولد ذي الحجة ظل عظيمًا، فسيحًا كسماء الصعيد، تصحبه المجالس، والمواكب، والطبول التي تنبض بإيقاع السر، والموالد التي تُقرأ فيها مناقب الإمام كما تُقرأ الكتب المقدسة.

لا تقليد بل عهدٌ بين القلوب والزمان

يقول مصطفى زايد الباحث المتخصص في التصوف لـ «نيوز رووم» ليس انتصار مولد ذي الحجة انتصارًا لمجرد عادة. بل هو انتصار للعهود غير المكتوبة بين الأرواح ومواقيتها. فالموالد الصوفية ليست محض تجمعات، بل مواسم نزول، تُفتح فيها أبواب السر، وتعلو فيها الهمم، وتُذكر فيها مقامات الأولياء الذين نذروا حياتهم لخدمة الله.

احتفالات صوفية بمولد الشاذلي
احتفالات صوفية بمولد الشاذلي

وتغيير الزمان، وإن بدا يسيرًا في أعين من يُديرون الزوايا بقرار، هو جناية على زمنٍ مقدسٍ صاغه الوجد والمكابدة. فلليالي ذي الحجة طعم لا يُشبهه سواه، وفي يوم عرفة عند الشاذلي، تقف القلوب كما تقف الأرواح عند عرفة الحجاز، سائلةً، راجية، متطهرة من علائقها.

دروس من مولد لا يخون تاريخه

لقد أثبت مولد الشاذلي أن الطرق الصوفية – حين تجتمع – تصنع الإجماع من غير صخب، وتختار السكينة بدل النزاع، لكنّها لا تفرّط في ما هو جوهرٌ وروح. لم يكن انتصار الموعد القديم مجرد استعادة لطقس، بل عودة إلى الأصل، إلى الحكمة التي أودعها الله في قلوب عباده، حيث لا تُنقل البركة من يوم إلى آخر كما تُنقل الحشود، بل تُستدعى بالصدق، ويُستدل عليها بالصفاء.

احتفالات صوفية بمولد الشاذلي 
احتفالات صوفية بمولد الشاذلي 

وفي نهاية كل مولد، حين تهدأ أصوات المداحين، وترتفع دموع العاشقين، تُدرك أن المولد ليس احتفالًا بل كشفٌ، وليس موعدًا بل تجلٍ، وليس لأبناء الطريقة الشاذلية فحسب، بل لكل من عرف الطريق إلى الله، مهما اختلف اسمه أو نسبه الصوفي.

تم نسخ الرابط