إنابة ولي الأمر في الأضحية.. أزهريون يردون على ادعاءات الهلالي بشأن إلغائها

جاء إعلان المملكة المغربية إلغاء شعيرة ذبح الأضحية في عيد الأضحى لهذا العام، نتيجة النقص الحاد في رؤوس الماشية، بهدف حماية القطيع المتبقي والحفاظ عليه، ليثير حالة من الجدل حول حكم نيابة ولي الأمر عن شعبه في الأضحية.
بعد إلغاء المغرب شعيرة الأضحية.. هل تجوز إنابة ولي الأمر عن شعبه في النحر؟
وقالت المغرب إنه: "من منطلق الأمانة المنوطة بنا، على إقامة شعائر الدين وفق ما تتطلبه الضرورة والمصلحة الشرعية، وما يقتضيه واجبنا في رفع الحرج والضرر وإقامة التيسير، والتزاما بما ورد في قوله تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج)، فإننا نهيب بشعبنا العزيز إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة. وسنقوم إن شاء الله تعالى بذبح الأضحية نيابة عن شعبنا وسيرا على سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، عندما ذبح كبشين وقال: هذا لنفسي وهذا عن أمتي".
هل تجوز نيابة ولي الأمر عن شعبه في الأضحية؟.. النبي فعلها
الدكتور سعد الدين الهلالي أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أثار الجدل بقوله إن هناك بعض البلاد العربية منعت الذبائح هذا العام لحماية الثروة الحيوانية، وإلا ستحدث مجاعة في الثروة الحيوانية، لافتا إلى أن إدارة الدولة في بعض الدول فكرت في منع الذبح العام وتكتفي بذبيحة واحدة يقوم بها ولي الأمر نيابة عن الأمة.
وأضاف أستاذ الفقه المقارن خلال مداخلة ببرنامج «الحكاية» والمذاع عبر قناة «ام بي سي مصر» أن هذا الأمر حدث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بكبشين أقرنين أملحين وذبح أحدهما وقال اللهم تقبل هذا عن محمد وعن آل محمد، وذبح الآخر وقال: «اللهم تقبل هذا عن أمة محمد».
الأضحية نيابة عن الأمة خصوصية للنبي
من جانبه، قال الشيخ محمد أحمد نصر الواعظ بالأزهر الشريف لـ «نيوز رووم»، إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يمنع، وما ضحى به عن من لم يضح من أمته، من خصوصياته -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم.
هل من حق ولي الأمر إلغاء شعيرة الأضحية؟.. ليس لإنسان أن يلغي حكمًا شرعيًا
من جانبه، قال محمد إبراهيم العشماوي أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر الشريف، في الرد على الدكتور سعد الهلالي؛ في زعمه أن من حق ولي الأمر إلغاء شعيرة الأضحية، ويضحي هو عن الشعب، حفاظًا على الثروة الحيوانية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك!، إن هذا الزعم مردود عليه من وجوه:
الأول: أنه ليس من حق أي إنسان - كائنا من كان - أن يلغي حكمًا شرعيًا، أيا كانت درجته الطلبية، وجوبًا أو ندبًا، فكيف إذا كان شعيرة من الشعائر، وهي الأحكام الظاهرة التي يختص بها دين الإسلام، وصارت عَلَمًا عليه، كالأذان، وتكبير العيدين، والأضحية!
والأضحية من سنن الشعائر باتفاق، وأوجبها بعضهم على القادر، حتى يأثم تاركها مع القدرة عليها!
الثاني: أنه لا يجوز لولي الأمر أن يضحي عن شعبه؛ لأن هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزعم أحد من الفقهاء أنه يجوز تقليد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر بالنسبة لولي الأمر، بحيث تسقط الأضحية عن القادرين من عامة الشعب، بل إن الأضحية لا تجزئ إلا عن الإنسان وأهل بيته فقط، بالغا عددهم ما بلغوا، بشرط أن يجتمعوا في القرابة، والسكنى، والنفقة - حسبما بيناه في منشور سابق - على أكثر المذاهب توسعا، وبعضهم قال: يشتركون في الأجر فقط، ولا تجزئ إلا عن المضحي وأهله الأقربين الذين تلزمه نفقتهم!
وهذا دليل على أن هذا الأمر من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو أن الأضحية لا تجزى إلا عن الرجل وأهل بيته فحسب، فكيف تجزئ أضحية واحدة - وهي عبارة عن كبش واحد - وقعت مرة واحدة، عن جميع من لم يضح من الأمة إلى يوم القيامة، في كل عام؟!
وقد وقع لي من هذا معنى بديع الآن، وهو أنه صلى الله عليه وسلم للأمة كلها كالأب في الرحمة والشفقة، والأمة كلها كعياله في احتياجها إليه، وهو كذلك صلى الله عليه وسلم، بل هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، بنص القرآن، فأجزأت أضحيته عن أمته، كما تجزئ أضحية الرجل عن عياله!
الثالث: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يضح عن جميع الأمة، بل ضحى عن من لم يضح من أمته - كما في أكثر الروايات - وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأبي رافع وأبي طلحة وغيرهم - وفي رواية البزار وأحمد بإسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم عن أمتي جميعًا، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ"، وهو محمول على "من لم يضح" من أمته، جمعا بين الروايات؛ لأنه لا معنى لأن يضحي عن من يضحي، فتأمل!
وهذا من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وعظيم رحمته وشفقته على أمته، جبرا لخواطر المنكسرين منهم، الذين لا يستطيعون التضحية، لضيق ذات اليد، فطيَّب خاطرهم بالتضحية عنهم إلى يوم القيامة، وهنيئا لمن ضحى عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم بيده الشريفة!
وهذا الحديث قد ذكرناه في كتابنا البديع [جبر الخاطر من حديث المصطفى العاطر]، وهو الكتاب الذي لم ننته منه بعد، نسأل الله أن يتمه بكرمه وفضله، آمين.
الرابع: الزعم بأن تضحية ولي الأمر عن شعبه بذبيحة واحدة أو أكثر؛ فيه حفاظ على الثروة الحيوانية؛ زعم ساذج؛ لأن الأنعام ليست من السلالات النادرة المهددة بالانقراض، بل هي من أكثر أصناف الحيوانات تكاثرا، وحكمة الشريعة تنأى عن أن تكلف الناس التضحية بالحيوانات النادرة المهددة بالانقراض!
وشدد على أننا نحن نرى الأنعام تذبح طول العام، ويأكل الناس منها، ولا تنقرض!، متسائلًا: ما معنى الحفاظ عليها من الذبح؛ إذا كانت الحكمة من وجودها أصلًا مصلحة الإنسان، بالأكل منها، وبغير الأكل من المنافع الأخرى، كما قال تعالى: "وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً ۖ نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا، وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ".
واختتم: ثم إن الدول لا تقتصر في مواردها ولا في سياستها الاقتصادية والاجتماعية على ثروتها الحيوانية فقط، بل تقوم باستيراد أنواع الحيوانات من الدول الأخرى ذات الوفرة منها، والتبادل التجاري بين الدول كفيل بحل أزمة انقراض بعض السلالات النادرة، لو افترضنا هذا الفرض جدلا!، وكذلك يمكن معالجة هذا النقص عن طريق الهندسة الوراثية، والتلقيح الجيني، وغير ذلك من وسائل العلوم المتطورة!