هل يعد الزحام الشديد عذرًا شرعيًا يسمح بالتوكيل في رمي الجمرات؟ الإفتاء توضح

في موسم الحج، يتعرض الحجاج أحيانًا لكثافة زوار هائلة تخلق زحامًا شديدًا في أماكن أداء المناسك، خاصة خلال رمي الجمرات، وهو أحد أركان الحج الهامة. ومن هذا المنطلق، تثار العديد من التساؤلات حول مدى جواز التوكيل في رمي الجمرات عند مواجهة هذه الظروف، وما إذا كان الزحام الشديد يُعد عذرًا شرعيًا يسمح للحاج بتوكيل غيره للقيام بهذا الركن نيابة عنه وفي هذا السياق أجابت دار الإفتاء المصرية أن رأى جمهور الفقهاء أن الزحام الشديد غير المعتاد، والذي يترتب عليه مشقة بالغة لا تُحتمل عادة، يُعتبر عذرًا شرعيًّا يُجيز للحاج أن يُنيب غيره في رمي الجمرات، ولا يترتب على ذلك وجوب الفدية على الموكِّل
المقصود برمي الجمرات وحكمه في الحج
رمي الجمرات هو أحد المناسك البارزة في الحج، ويقصد به عند الفقهاء: قذف حصى صغيرة في أماكن معينة تُسمى الجمرات، وذلك في أوقات محددة وبعدد معروف. ويتم هذا الفعل في مشعر منى خلال أيام التشريق، وهو عبادة لها شروط تتعلق بالزمان والمكان والطريقة.
وقد اتفق العلماء على أن رمي الجمرات من واجبات الحج، وليس ركنًا، لكنه واجب لا يصح تركه بلا عذر. ومن تركه عمدًا دون سبب شرعي فعليه فدية. ويقول الإمام ابن عبد البر إن من فاتته أيام الرمي حتى غابت شمس آخر يوم من أيام التشريق، فقد فاته الرمي، ولا سبيل له إلى أدائه، ويجب عليه أن يعوضه بالفدية.
حكم النيابة في رمي الجمرات
الأصل أن يقوم الحاج بأداء مناسكه بنفسه، لأن العبادات البدنية لا تقبل التوكيل إلا فيما استثناه الشرع، والحج من الأمور التي يجوز فيها التوكيل لعذر، كما ثبت في الحديث الصحيح عن المرأة التي سألت النبي ﷺ عن والدها العاجز عن الحج، فأذن لها أن تحج عنه.
وبالقياس على هذا، فإن واجبات الحج ومنها رمي الجمرات يجوز فيها التوكيل إذا كان الحاج عاجزًا عن الرمي بنفسه، كأن يكون مريضًا أو ضعيفًا أو لا يستطيع الوصول إلى موضع الرمي. وعند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة لا فدية عليه في هذه الحالة، بخلاف المالكية الذين يرون أن التوكيل يُسقط الإثم، لكن لا يسقط الفدية.
الزحام الشديد سبب معتبر للتوكيل في الرمي
من الأعذار المعتبرة شرعًا التي تجيز للحاج التوكيل في الرمي، الزحام الشديد الذي قد يشكل خطرًا على النفس أو يسبب مشقة لا تُحتمل، خصوصًا للنساء أو كبار السن أو المرضى. وقد نص الفقهاء من مختلف المذاهب على أن الزحام الشديد يُعد عذرًا في تأخير أو ترك بعض المناسك، مثل المبيت بمزدلفة أو الرمي، ولا إثم فيه، بل يجوز فيه التوكيل لمن يتعذر عليه الرمي بنفسه.
وقد استدل العلماء على هذا بقاعدة “المشقة تجلب التيسير”، وهو ما يدل عليه فعل النبي ﷺ في حجة الوداع حين قال لمن خالف الترتيب في أداء المناسك: «افعل ولا حرج»، مما يؤكد أن التيسير ورفع الحرج مقصدٌ شرعي في الحج.
وبذلك فإن الزحام الشديد في رمي الجمرات عذرٌ شرعي مقبول، ويُبيح التوكيل في الرمي دون حرج ولا فدية، إذا خشي الحاج الضرر على نفسه أو على غيره