التمتع بـ «مناسك الحج».. دلالات فقهية وروحية يوضحها رئيس جامعة الأزهر

في سياق توضيح شعائر الحج ومقاصدها الروحية والشرعية، سلّط الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، الضوء على فقه الهدي في مناسك الحج، مبينًا أنه ليس مجرد ذبح لبهيمة الأنعام في مكة، بل عبادة عظيمة متعددة الجوانب، تجمع بين الامتثال، الرحمة، والتيسير، وتُعدّ من أعظم شعائر الإسلام.
معانٍ إنسانية وروحية
قال الدكتور سلامة داود، خلال حلقة برنامج "بلاغة القرآن والسنة" على قناة الناس، إن الهدي يتجاوز المفهوم التقليدي كونه ذبيحة تُقدم في مكة، بل هو عبادة مركبة تجمع بين النية، والإعداد، ومراعاة الظروف الإنسانية.
وأوضح الدكتور سلامة داود أن الهدي يرتبط بحالتين أساسيتين في فقه مناسك الحج: "الإحصار والتمتع، ولكل منهما أحكامه ومقاصده، وكلتاهما تكشف عن رحابة الشريعة ومرونتها".
مرونة شرعية وتكافل اجتماعي
أشار الدكتور سلامة داود إلى أن حالة الإحصار تعني المنع القهري في مناسك الحج عن الوصول إلى مكة، لأي سبب كان، كالأمراض أو النزاعات، وهنا لا يُحرم المسلم من الأجر، بل يُوجَّه إلى ذبح الهدي في موضعه، وتوزيعه على فقراء المسلمين، مستشهدًا بما قاله النبي ﷺ للصحابي كعب بن عُجرة: "احلق رأسك، ثم تصدّق، أو أطعم ستة مساكين، أو اذبح ذبيحة".
وأضاف الدكتور سلامة داود أن هذا التوجيه يعكس رحمة الشريعة الإسلامية، ويؤكد أن التحلل من الإحرام لا يسقط الأجر في مناسك الحج، بل يُحوّل العجز إلى طاعة، ويمنح البدائل الشرعية.
عبادة متكاملة ووجوب الهدي
أما الحالة الثانية، فهي التمتع، أي أن يؤدي الحاج العمرة أولًا ثم يتحلل، ويتمتع بمحظورات الإحرام، ثم يُحرم للحج في يوم التروية (8 ذي الحجة).
وبيّن الدكتور داود أن هذا التمتع يُوجب الهدي لقوله تعالى: ﴿فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾.
وأوضح الدكتور سلامة داود أن هذا النص القرآني يربط بين عبادة العمرة والحج، ويشجع على الاستعداد المسبق، سواء تعرّض الحاج للإحصار أو اختار التمتع، ما يعكس قيمة "الجاهزية" كخلق تعبدي.
صيام بعناية إلهية
وتابع داود: "القرآن الكريم لم يترك من لا يملك ثمن الهدي في حيرة، بل قال: ﴿فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾"، مشيرًا إلى أن هذا التقسيم الزمني فيه رحمة كبيرة، إذ يخفف على الحاج الصيام داخل المشاعر، ويؤجل الجزء الأكبر إلى ما بعد العودة.
ولفت إلى أن التعبير القرآني ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾، رغم وضوح العدد، جاء لتأكيد المنهج التعليمي في القرآن، حيث يُقدم العدد مفصلًا ثم يُجمّل لتثبيت المعلومة، مؤكدًا أن "علمَين خيرٌ من علمٍ واحد".
بلاغة القرآن
أكد رئيس جامعة الأزهر أن القرآن الكريم ليس فقط كتاب هداية، بل كتاب علم وتعليم، فقد علّم قواعد الرياضيات ضمن آياته، من جمع وطرح وضرب وقسمة، وقال: "القرآن علّمنا كيف نفكر، كيف نحسب، كيف نعلّم غيرنا بأسلوب بلاغي متقن".
وأضاف الدكتور سلامة داود أن هذه البلاغة القرآنية هي التي أبقت القرآن حيًا في القلوب والعقول، كتابًا لا ينضب، ونهرًا جاريًا من الهداية لكل الأجيال.

الهدي عبادة
في ختام حديثه، شدد الدكتور سلامة داود على أن فقه الهدي في الحج يجسد تكامل الدين بين العبادة والعقل، وبين الفرد والمجتمع، وأن الشريعة الإسلامية تراعي كل الظروف، وتقدم الحلول الواقعية التي تضمن للمؤمن الأجر والطمأنينة.