اتساع حدقة العين يكشف دقة الذاكرة.. دراسة علمية لفهم الدماغ

في محاولة جديدة لفهم العلاقة العميقة بين الاستجابات الفسيولوجية والوظائف الإدراكية، كشفت دراسة علمية حديثة أن توسع حدقة العين لا يقتصر فقط على الاستجابة للمعلومات المألوفة، بل يعكس أيضًا جودة ودقة الذكريات المُسترجعة، هذا ما توصل إليه فريق بحثي من جامعة بودابست للتكنولوجيا والاقتصاد، عبر دراسة نُشرت في دورية Journal of Experimental Psychology: Learning, Memory and Cognition.
من فرضية قديمة إلى كشف جديد
تعود جذور الفرضية إلى سبعينيات القرن الماضي، فيما يُعرف علميًا بـ"تأثير الحدقة القديم/الجديد" (Pupil Old/New Effect)، وهو يشير إلى توسع حدقة العين عندما يتعرف الشخص على معلومة سبق له أن رآها أو سمعها. إلا أن الدراسة الجديدة ذهبت أبعد من مجرد التعرف، لتدرس ما إذا كانت حدقة العين قادرة على كشف مستوى العمق والدقة في عملية التذكر نفسها.
تجربة دقيقة على كلمات نادرة
أُجريت الدراسة على 28 متطوعًا طُلب منهم حفظ 80 كلمة نادرة مكونة من مقطعين أو ثلاثة، تم عرضها بشكل دائري على شاشة الحاسوب. وفي مرحلة لاحقة، تم عرض كلمات مختلطة – بعضها جديد وبعضها من الكلمات السابقة – وطُلب من المشاركين تحديد الكلمات الأصلية وموقع ظهورها بالتحديد.
وبالتزامن مع هذه المهمة، تم مراقبة حدقة العين بدقة عبر أجهزة تتبع متقدمة. ولاحظ الباحثون أن الحدقة لا تتوسع فقط عند التعرف على الكلمات السابقة، بل تتوسع بدرجة أكبر عند استرجاع تفاصيل دقيقة تتعلق بالمعلومة، مثل موقع الكلمة على الشاشة.
حدقة العين.. مؤشر عصبي على جودة التذكر
يشير الباحث الرئيسي، آدم ألبي، إلى أن توسع الحدقة لا يعكس مجرد "إحساس بالألفة"، بل هو استجابة عصبية ترتبط بجودة ووضوح المعلومات المسترجعة. ويُرجح أن هذه الاستجابة ترتبط بنشاط النظام العصبي المعروف باسم "لوس كوروليوس – نورأدرينالين" (Locus Coeruleus-Norepinephrine system)، وهو نظام مسؤول عن تنظيم الانتباه والاستجابة للمحفزات المهمة.
هذا الربط بين الانتباه والذاكرة والحدقة يمنحنا منظورًا جديدًا حول كيف يتفاعل الدماغ مع المعلومات المخزنة، وكيف تظهر تلك التفاعلات على ملامحنا الجسدية البسيطة مثل توسع العين.
تطبيقات مستقبلية.. من العيادة إلى قاعة المحكمة
يرى الباحثون أن النتائج التي توصلوا إليها قد تُحدث نقلة نوعية في كيفية تقييم الذاكرة لدى الأفراد، سواء في الأوساط الطبية أو القضائية. على سبيل المثال:
يمكن استخدام مراقبة حدقة العين في تقييم مدى دقة الذكريات لدى مرضى الخرف أو اضطرابات الذاكرة.
كما يمكن أن تُستخدم التقنية في التحقيقات القانونية، لتقييم مدى صدق روايات الشهود من خلال متابعة ردود فعل العين أثناء الاستجواب.
ويُعلق الفريق البحثي في خاتمة الدراسة: "تشير نتائجنا إلى أن تأثير الحدقة ليس مجرد استجابة آلية، بل يعكس مكونين منفصلين: الأول يتعلق بعملية التعرف، والثاني يعكس جودة واستحضار التفاصيل الدقيقة".
توسع بسيط.. لكنه يفتح عالماً من التفسيرات
قد يبدو توسع حدقة العين مجرد انفعال جسدي غير إرادي، لكنه – كما تكشف هذه الدراسة – يحمل في طياته إشارات عميقة عن كيفية عمل دماغ الإنسان، خاصة في ما يتعلق بعمليات الحفظ والتذكر والاسترجاع. ومع تطور تقنيات تتبع العين، قد يصبح هذا المؤشر أداةً مهمة في الأبحاث المستقبلية التي تسعى إلى فهم أعمق لذاكرة الإنسان وأسرار الادراك