طواف القدوم وصفته.. كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبل الكعبة؟

يكثر البحث عن طواف القدوم، خاصة مع دخول أول أيام العشر من ذي الحجة، واستعداد المملكة العربية السعودية لاستقبال الحجاج من كافة أنحاء العالمين العربي والإسلامي لأداء ركن الحج الأعظم في يوم عرفة التاسع من ذي الحجة ويوم النحر وأيام التشريق على التوالي، وفي السطور التالية نوضح كيفية طواف القدوم كما سنه النبي صلى الله عليه وسلم.
ما هو الطواف وما هي صفته؟
الطواف ركن من أركان الحج والعمرة، وهو عبادة لله تُظهر الافتقار والتوجه بالقلب والجوارح إليه سبحانه، يقوم فيها المسلم بالطواف حول بيته الكريم -الكعبة- تعبداً لرب البيت وتقرباً إليه بما شَرع.

وصِفته أن يبتدئ الحاج أو المعتمر طوافه من الرّكن الذي فيه الحجر الأسود، حيث توجد في الأدوار العلوية علامة خضراء تدلّ عليه. من هذه النقطة يكبّر الطائف بداية كل شوط جديد. وليس شرطاً أن يكون التكبير في ذات النقطة بالضبط، بل الأمرُ تقريبي، فإذا وجد الحاج أو المعتمر نفسه قد حاذى الحجر فإنه يكبر.
أما صِفَة التكبير: أن يُشيرَ بيده إلى الحجر الأسود، ثم يبتدئ طوافه جاعلاً الكعبة عن يساره (عكس عقارب الساعة)، وإن استطاع تقبيل الحجر الأسود فقد أدّى السنة، وإن لم يتيسر له ذلك -في أيام المواسم والزحام- فلا شيء عليه. ويستحب للطائف إكثار الدعاء إلى الله والابتهال إليه، كما يستحب له أيضاً إذا وصل إلى الركن الذي يسبق الحجر الأسود، الذي يسمى الرّكن اليماني ، أن يمسح عليه إذا تيسر له، وتكرار ذلك في أشواطه السبعة.
طواف القدوم وصفته
هو الطواف الذي يؤدّيه الحاج أولَ وصوله إلى مكة، ويسمى أيضاً طوافَ التحية. يطوف طواف القدوم من أحَرم بالحج وقدمَ إلى مكة، وذلك قبل يوم عرفة بوقتٍ يكفي للطواف. والمعنيّون بطواف القدوم هم من كان نُسُكهم الإفراد والقران؛ إذ يتأكّد في حقهم عند الوصول إلى مكة طواف سبعة أشواط بالكعبة. ويسقط طواف القدوم عن المتمتع، وعمّن توجه إلى عرفة مباشرة، وعن المرأة الحائض أو النفساء.
صفة الطواف مثل طواف العمرة، ويُشرع في حق من أتم طواف القدوم أن يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ويكون هذا هو سعي الحج اللازم عليه لإتمام الحج، ولا يحتاج بعده إعادة السعيَ عند طواف الإفاضة يومَ العيد. ويُسن في طواف القدوم كل ما يُسن في طواف العمرة، وعلى الحاج أن يتقيد بتعليمات ومواعيد برنامج حملة الحج حتى لا يضطرب جدول بقية الحملات.
طواف سيدنا رسول الله بالبيت حين القدوم
دخل النبيّ ﷺ مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة، فأتى بابَ المسجد فأناخ راحلته ثم دخل المسجد، واستلم الحجر الأسود، ثم مضى عن يمينه، فرمل ﷺ حتى عاد إليه ثلاثًا -والرمل: هو إسراع المشي مع تقارب الخُطى –ومشى أربعًا على هينة، فعَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ «إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ، أَوَّلَ مَا يَطُوفُ: يَخُبُّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ». [أخرجه البخاري]
وكان ﷺ يدعو الله بين الركن اليماني والحجر الأسود بقوله تعالى:{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: 201]، وذلك في كلّ شوط.
ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}. [البقرة: 125]
ورفع صوته يسمع الناس وجعل المقام بينه وبين البيت فصلى ركعتين وقرأ في الركعة الأولى (الفاتحة والكافرون)، وفي الثانية (الفاتحة والإخلاص)، ثم ذهب إلى ماءِ زمزمَ فشرب منها، وصبّ على رأسه، ثم رجع إلى الركن فاستلمه.
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا طَافَ فِي الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ، وَمَشَى أَرْبَعَةً، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ». [أخرجه البخاري]
ما هو حكم الرمل في الطواف للرجل والنساء؟
الرَّمَلُ في اللغة: الهرولة، وهو الإسراع في المشي مع تحريك المنكبين، من غير وَثْبٍ؛ "يُقال: رَمَلَ الرجل، يَرْمُلُ رَمَلَانًا وَرَمَلًا؛ إذا أسرع في مشيته وهزَّ منكبيه، والطائف بالبيت يَرْمُلُ رملانًا"؛ كما في "جمهرة اللغة" للعلامة أبي بكر ابن دريد ، و"الصحاح" للعلامة أبي نصر الجوهري ، و"لسان العرب" للعلامة جمال الدين ابن منظور
ولا يَبْعُدُ المعنى الشرعي عند الفقهاء عن المعنى اللغوي، فالرمل هو: "الإسراع في المشي دون الخَبَب"، كما في "الشرح الصغير" للإمام الدردير ، وقيل هو "الْخَبَبُ" وهو "فوق المشي ودون السعي" كما في "الحاوي الكبير" للإمام الماوردي ، وهو "إسراع المشي، مع تقارب الخُطَى مِن غير وَثْبٍ" كما في "شرح العلامة الزركشي على مختصر الإمام الخرقي"
والرَّمَل وإن كان سُنة في الطواف حول البيت الحرام، إلا أنه مشروعٌ عند الاستطاعة إليه في حق الرجال دون النساء، ومن ثَمَّ فقد أجمع العلماء على أنه لا رَمَلَ على المرأة في الطواف، وإنما تمشي مشيتها المعتادة في كل المواضع وفي جميع الطواف، ولا تفعل ما يفعله الرجال في هذا الشأن.
قال الإمام ابن المنذر في "الإجماع" : [وأجمعوا ألَّا رَمَلَ على النساء حول البيت] اهـ.
وقال الإمام ابن عبد البر في "التمهيد" : [وأجمعوا أن ليس على النساء رَمَلٌ في طوافهن بالبيت] اهـ.