بعد رفع العقوبات.. ترامب يراهن على تقليص نفوذ إيران بسوريا والتطبيع مع إسرائيل

في خطوة وُصفت بأنها الأكثر إثارة للجدل في سياسة الشرق الأوسط منذ سنوات، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا منذ عقود، مؤكدًا أنه أصبح مستعدًا لتطبيع العلاقات مع الدولة التي كانت حتى وقت قريب توصف في واشنطن بـ"الدولة العدوة".
هذا الإعلان ترافق مع لقاء تاريخي جمع ترامب بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع في الرياض، ليصبح ترامب أول رئيس أمريكي يلتقي زعيمًا سوريًا منذ ربع قرن، وهو ما فُهم على نطاق واسع كضربة غير مباشرة لإيران وخطوة جريئة لإعادة صياغة التوازنات الإقليمية بعد سقوط نظام بشار الأسد.
تحول مفاجئ
ويأتي هذا التحول المفاجئ في موقف ترامب بعد أشهر فقط من تصريحه في ديسمبر الماضي أن "سوريا دولة فاشلة وليست صديقًا، ولا يجب أن يكون لنا بها أي علاقة"، إلا أن انهيار نظام الأسد في ديسمبر 2024 على يد هيئة تحرير الشام، قلب المعادلة وأنهى سنوات من النفوذ الإيراني العميق في دمشق، وفق محللين.
وبينما يصف البعض هذا التحول بـ"المقامرة"، يرى الخبير في الشأن الإيراني بهنام بن طاليبلو - في مداخلة عبر فضائية «فوكس نيوز» - أن ما يحدث هو "مخاطرة عالية قد تحقق مكاسب استراتيجية"، مشيرًا إلى أنه "إذا نجحت، قد تمنع إيران من تحويل سوريا إلى منصة لنشاطاتها العدائية."
إيران تراقب
ويرى بن طاليبلو أن طهران لا تزال تراهن على الوقت، إذ تتقن استغلال الفراغات والفوضى الإقليمية، وقال: “كلما وُجد شخص منهك أو مقهور في منطقة نزاع، فذلك هو مدخل إيران المعتاد. طهران ستحاول العودة عبر وكلائها وشبكاتها، بينما تنشغل واشنطن وتل أبيب بإعادة بناء النظام الإقليمي".
ورغم أن ترامب أكد أن رفع العقوبات سيمنح سوريا فرصة للتعافي، فإن المحللين حذروا من أن الفراغ الأمني في البلاد قد يُستغل من قبل الجماعات المتطرفة أو من قبل إيران نفسها التي تفضل العمل من خلال وكلائها الإقليميين.
سوريا الجديدة
يرأس سوريا اليوم أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام سابقًا، وهي جماعة كانت مصنفة كفرع سابق لتنظيم القاعدة ولا تزال مُدرجة كمنظمة إرهابية من قبل واشنطن والأمم المتحدة. وعلى الرغم من هذا، فقد لمّح ترامب إلى أن الشرع منفتح على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بشرط مرور الوقت وتحقق خطوات تدريجية.
لكن حتى الآن، لم يعلن الشرع رسميًا نيته السير في مسار التطبيع، مكتفيًا بالتأكيد على رغبته بالعودة إلى اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 في الجولان، والسماح بإجراء مبادرات رمزية مثل تسليم مقتنيات الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين، واعتقال عناصر من "الجهاد الإسلامي" لتخفيف القلق الإسرائيلي.
تحذيرات من عودة الفوضى
من جانبه، حذّر ماركو روبيو، وزير الخارجية الأمريكي، من أن سوريا قد تكون على بُعد أسابيع من الانهيار الكامل ودخول مرحلة حرب أهلية شاملة، مشيرًا إلى أن الانقسامات الطائفية وغياب السيطرة الحكومية الكاملة قد تُعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
وأكد بن طاليبلو أن رفض إدارة ترامب لفكرة بناء الدولة قد يُقوّض فرص النجاح، قائلاً: "إذا لم تُلزم واشنطن دمشق بمعالجة المظالم الداخلية، فإن إيران ستجد طريقًا سهلًا للعودة من خلال استغلال هذه التوترات."
المكافأة أم الكارثة؟
في نهاية المطاف، يرى محللون أن ترامب يخوض رهانًا محفوفًا بالمخاطر، إذا نجح، فسيحقق إنجازًا دبلوماسيًا نادرًا بإخراج سوريا من العباءة الإيرانية وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أما إذا فشل، فستكون واشنطن قد منحت الشرعية لحكومة تحمل جذورًا متطرفة، وفشلت في كبح التمدد الإيراني على المدى البعيد.