صيغة التلبية في الحج وأحكامها الكاملة كما وردت عن النبي

تزامنًا مع اقتراب موسم الحج لعام 1446 هـ، يتزايد اهتمام المسلمين حول العالم بمعرفة التفاصيل الدقيقة لمناسك الحج، وخاصة فيما يتعلق بـ التلبية، هذا الذكر العظيم الذي يُردده الحاج بقلب خاشع ولسانٍ ملهوف مرددًا: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
وفي هذا السياق، تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالًا شرعيًا ورد عبر منصتها الرسمية، جاء فيه: “متى تُستحب التلبية في الحج؟ وما هي الأماكن التي تُقال فيها؟”، فجاء الرد موضحًا أحكام التلبية، وأفضل أوقاتها، مع التفصيل في آراء المذاهب الفقهية المختلفة.
متى تبدأ التلبية ومتى يُستحب قولها؟
أوضحت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي أن التلبية تُعد من السنن المؤكدة للمُحرِم بالحج أو العمرة، وتبدأ منذ لحظة الإحرام، أي منذ نية الدخول في النسك، ويُستحب الإكثار من التلبية في مواضع معينة، أبرزها:
- عند الصعود إلى مكان مرتفع.
- عند النزول في وادٍ.
- عند لقاء راكبٍ أو مجموعة من الحجاج.
- أثناء اجتماع الرفاق أو مرافقي الرحلة.
- بعد الصلوات المفروضة.
- في لحظات إقبال الليل والنهار.
كل هذه المواضع ورد فيها استحباب التلبية كنوع من تعظيم شعائر الله، وارتباطًا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.
التوقيت الأنسب لقطع التلبية
وأشارت دار الإفتاء إلى أن هناك اختلافًا فقهيًا حول موعد قطع التلبية، فجاء في مذهب المالكية أن التلبية تُقطع بعد الزوال من يوم عرفة، بينما يرى الجمهور من العلماء، ومنهم الشافعية والحنابلة، أن قطع التلبية يكون بعد رمي جمرة العقبة الكبرى في يوم النحر.
وأكدت الدار أن المسألة فيها سعة، وأن الأمر لا يخرج عن الفضل والاستحباب، ما دام الحاج ملتزمًا بالإجمال بسُنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ما المقصود بالتلبية؟ نصها ومعناها الشرعي
أكدت دار الإفتاء أن التلبية هي الذكر الخاص بالحج والعمرة، والذي يردده المسلم المحرم وهو في طريقه إلى بيت الله الحرام، ونصها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لبَّيك اللهم لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك، إنَّ الحمد والنِّعمة لك والمُلْك، لا شريك لك"، وقد رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
هل التلبية شرط من شروط الإحرام؟
أثارت المسألة جدلًا فقهيًا أيضًا بين العلماء، حيث انقسمت آراء الفقهاء إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية:
- الحنفية: يرون أن التلبية شرط من شروط الإحرام، ولا ينعقد الإحرام إلا بها.
- الشافعية والحنابلة: يعتبرون التلبية سُنّة مؤكدة، وليست شرطًا لصحة الإحرام.
- المالكية: يرون أنها واجب، ويُستحب أن تكون مقترنة بالإحرام ومتّصلة به، ومن تركها عليه دم (ذبيحة) جبرًا.
وقد استندت دار الإفتاء إلى العديد من المراجع الفقهية في هذا السياق لتأكيد الآراء المختلفة، من بينها:
- كتاب "تبيين الحقائق" للزيلعي (2/14).
- "الشرح الكبير" للدردير مع "حاشية الدسوقي" (2/39).
- "المجموع" للإمام النووي (7/246).
- "الشرح الكبير" لشمس الدين ابن قدامة (3/260).
التلبية سُنة جامعة للروح والمقصد
أكدت دار الإفتاء المصرية أن التلبية ليست فقط ذكرًا يُردده اللسان، بل هي إعلان بالنية والامتثال والطاعة، وهي شعار الحاج والمعتمر منذ لحظة الإحرام وحتى الوصول إلى مشعر منى وعرفات، فكلما ردّد المسلم "لبيك اللهم لبيك" استشعر عظمة اللقاء مع الله، واستحضار نية الطاعة والعبودية الخالصة له.
كما أن معرفة توقيت التلبية ومواطنها، والاختلافات الفقهية حولها، يُعد من الأمور المهمة لكل من ينوي أداء المناسك، إذ تسهم في تأدية النسك على الوجه الأكمل وبما يوافق السنة النبوية المطهرة.