دراسة جديدة تكشف دور فيتامين د في إبطاء الشيخوخة البيولوجية

في خطوة علمية مهمة، كشفت دراسة حديثة واسعة النطاق أن فيتامين د قد يساهم في إبطاء واحدة من العمليات البيولوجية المرتبطة بمرحلة الشيخوخة، مما يفتح الباب أمام آمال جديدة في مجال أبحاث مكافحة الشيخوخة وتحسين جودة الحياة مع تقدم العمر.
التيلوميرات: المؤشر الخفي وراء التقدم في العمر
نشرت نتائج هذه الدراسة الأسبوع الماضي في المجلة الأميركية للتغذية السريرية، حيث أظهرت أن تناول كميات أكبر من فيتامين "د" قد يؤخر تقلص التيلوميرات، وهي أغطية واقية موجودة في نهايات الكروموسومات داخل خلايا الجسم، تلعب دوراً حاسماً في حماية الحمض النووي من التلف، ومع التقدم في السن، تصبح التيلوميرات أقصر تدريجياً، وهذا القصر يرتبط بزيادة خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل أمراض القلب، السكري، والسرطان، كما يعتبر مؤشراً أساسياً على التقدم في العمر البيولوجي.
تجربة VITAL: آلاف المشاركين تحت المجهر العلمي
تأتي هذه الدراسة ضمن إطار تجربة كبيرة وشاملة تُعرف بتجربة (VITAL)، أجريت على أكثر من 25,800 مشارك من الرجال والنساء في الولايات المتحدة، حيث شاركت نساء يبلغن من العمر 55 عاماً فأكثر، ورجال يبلغون 50 عاماً فما فوق، هدف هذه التجربة الطويلة الأمد هو تقييم التأثيرات الصحية لمكملات فيتامين "د" وأحماض أوميغا-3 الدهنية على صحة الإنسان، مع التركيز على الوقاية من الأمراض المزمنة وتأثيرها على الشيخوخة.
نتائج واعدة ولكن مشروطة بالمزيد من الأبحاث
فريق البحث مجموعة من العلماء من "مستشفى بريغهام والنساء" وكلية الطب بجامعة هارفارد، بالإضافة إلى باحثين من مؤسسات علمية مرموقة أخرى، في هذه الدراسة، ركز الباحثون على دراسة تأثير مكملات فيتامين "د" على طول التيلوميرات في الخلايا، حيث أظهرت النتائج أن تناول مكملات فيتامين "د" يرتبط بتباطؤ في تقلص هذه الأغطية الحيوية، وهو مؤشر مهم على إمكانية إبطاء العملية البيولوجية للشيخوخة.
وعلقت جوان مانسون، المؤلفة المشاركة في الدراسة ورئيسة قسم الطب الوقائي في "مستشفى بريغهام والنساء"، قائلة: "هذه النتائج مشجعة للغاية، ولكننا بحاجة إلى إجراء المزيد من الدراسات لتكرار التجربة والتحقق من هذه النتائج قبل إدخال أي تغييرات على توصيات تناول فيتامين د في الممارسات الطبية العامة."
فيتامين "د" هو فيتامين ذائب في الدهون
فيتامين "د" هو فيتامين ذائب في الدهون، يلعب دوراً أساسياً في دعم الجهاز المناعي، تعزيز صحة العظام والأسنان، والمساهمة في تنظيم العديد من العمليات الحيوية في الجسم. يحصل الإنسان على معظم فيتامين "د" من خلال التعرض لأشعة الشمس، بالإضافة إلى بعض المصادر الغذائية مثل الأسماك الدهنية، البيض، والحليب المدعم.
ومع تزايد أعداد كبار السن حول العالم، يزداد الاهتمام بالأبحاث التي تسعى لفهم كيفية إبطاء الشيخوخة وتحسين جودة الحياة في المراحل المتقدمة من العمر. وتركز الدراسات الحديثة على الآليات البيولوجية الدقيقة مثل التيلوميرات، والتي تعد من أبرز علامات الشيخوخة على المستوى الخلوي.
تتعلق أهمية هذه الدراسة كذلك بالقدرة على استهداف التغذية والعوامل البيئية لتحسين صحة الإنسان وتأخير ظهور الأمراض المرتبطة بالعمر، إذ تشير الأبحاث إلى أن نمط الحياة الصحي، التغذية المتوازنة، والنشاط البدني يمكن أن تؤثر إيجابياً على طول التيلوميرات، ومن ثم على سرعة الشيخوخة.
تناول مكملات فيتامين "د" دون استشارة طبية
بالرغم من هذه النتائج الواعدة، يحذر الخبراء من تناول مكملات فيتامين "د" دون استشارة طبية، إذ أن الجرعات العالية قد تؤدي إلى آثار جانبية غير مرغوبة، مثل تراكم الكالسيوم في الدم، والذي قد يسبب مشاكل صحية خطيرة. لذلك، يوصى بالحصول على فيتامين "د" من مصادر طبيعية أو مكملات محسوبة الجرعة حسب الحاجة الطبية.
تفتح هذه الدراسة آفاقاً واسعة أمام الباحثين لمواصلة استكشاف العلاقة بين الفيتامينات، خاصة فيتامين "د"، والعمليات البيولوجية التي تؤثر على الشيخوخة والأمراض المزمنة. كما تسلط الضوء على أهمية دعم الصحة العامة من خلال تحسين التغذية ونمط الحياة، لتقليل العبء الصحي على الأفراد والمجتمعات.
في المستقبل القريب، قد يتمكن العلماء من تطوير علاجات تعتمد على فيتامين "د" أو مركبات مشابهة تستهدف التيلوميرات وآليات أخرى في الجسم، مما يعزز من القدرة على مكافحة الشيخوخة وتأخير ظهور الأمراض المرتبطة بها، ويمنح الأفراد فرصة للتمتع بحياة أطول وأكثر صحة.